من رأى أن القبلة حولت من مكانها إلى جهة أخرى وهو متبع ذلك فهو على ثلاثة أوجه تغير الملك وانتقال الرائي نحو جهة انتقال القبلة وظهور ملك من تلك الجهة واستيلاؤه بعقد صحيح هذا إذا رأى الناس تابعيها، وقد تقدم في الباب الثامن في فصل الصلاة تعبير من رأى أنه يصلي إلى جهة غير القبلة.
ومن رأى أنه يصلي في مكان لا تجوز فيه الصلاة فإنه فساد في دينه، وقيل من رأى أن الصلاة فاتته مع الإمام فهو نظير ذلك، وإن أدرك آخر الصلاة ثم أتمها منفرداً لا بأس بذلك.
ومن رأى أنه سقط عن فرس أو نزل عنه أو صرع من فوقه فإنه يؤول بانحطاط منزلته أو عزله عن سلطانه وربما دل على موت زوجته وإن كان صرعه في سوق أو بين ملاء من الناس فإنه يشتهر في سقوط حاله وجاهه وربما كان نزوله إذا أضمر العود انفاق ماله حتى يصير إلى آخره وقيل لا يتم الأمر الذي هو طالبه خصوصا إن لم ينو العود.
قال ابن سيرين من رأى أنه يؤذن في مكان معروف، إن كان مؤمنا من أهل الصلاح ومتقياً يرزقه الله تعالى زيارة الكعبة لقوله تعالى " وأذن في الناس بالحج " الآية.
ومن رأى نوقا وإبلا كثيرة دخلت إلى مكان فإنه يدخل ذلك المكان عدو خصوصا ان كانت عريانة وإن كان عليها احمال مما يستحب نوعه في التأويل فإن عاقبة ذلك العدو إلى خير وإن كانت الأحمال مما يكره نوعها فتعبيره ضده وربما دلت هذه الرؤيا على حصول سيل بذلك المكان أو أمراض.
وقال بعض المعبرين من رأى أنه يختضب بمكان لا يقتضي خضابه فهو على وجهين إما زينة لمن ينسب إليه ذلك العضو من النسوة، وإن كان من الرجال فأمر يكره إلا أن يكون لأجل ألم فلا بأس به والله تعالى أعلم بالصواب.
من رأى أن الله تعالى غضب على أهل مكان يدل على أن قاضي ذلك المكان يميل في القضاء وأنه يظلم الرعية أو عالمه يكون غير متدين، وإن كان الرائي سارقا سقطت رجله ويدل على أن الرائي يكون مذنبا أيضاً ولائقا بالعقوبة ويقع في ذلك المكان بلاء وفتنة.
ومن رأى أنه أطلع سفينة إلى مكان مرتفع لم يمكن طلوع السفينة في مثله فهو على وجهين تسبب لأحد في مصالحه وعلو منزلته وشهرته بين الناس، وربما كان ذلك ليس بمحمود.
نادرة قال بعض المعبرين رأيت ملكا في مكان عال وكأن جماعة ينظرون إليه فأولت ذلك العلو بانتهاء أمره ونظر الناس إليه بإشتغالهم بما يحصل له ثم مضى على ذلك مدة يسيرة وقد مات وأشتغل الناس بأمره.
من رأى أنّه يصلي بغير وضوء في مكان لا تجوز الصلاة فيه، فإنّه متحير في أمر لا يجد منه خلاصاً. وقيل الوضوء في المنام أمانة يؤديها أو دين يقضيه أو شهادة يقيمها.
روى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت رجلاً من أُمتي قد بسط عليه العذاب في القبر، فجاءه وضوءه فاستنقذه من ذلك " .
ومن رأى أنّه يتيمم فقد دنا فرجه، وقربت راحته، لأنّ التيمم دليل الفرج القريب من الله تعالى
السقوط
إذا كان السقوط في المنام من أعلى إلى أسفل، فإنه يدل على انتقال الأحوال من خير إلى شر، أو من زوجة إلى غيرها، أو من صنعة إلى صنعة، أو من بلد إلى بلد، أو من مذهب إلى مذهب. فإن كان الذي نزل في المنام مأكولا طيبا أو قوما صالحين دل ذلك على حسن الحال. وإن نزل في المنام إلى خربة أو حيوان كاسر دل على سوء العاقبة، وربما دل على الشح والبخل بما عنده من المال، قال تعالى: (وما يغني عنه ماله إذا تردى). ومن سقط من ظهر بيت، فانكسرت يده أو رجله، أصابه بلاء في نفسه أو ماله أو صديقه، أو ناله من السلطان مكروه.
ومن رأى رسولا جاء من مكان على هيئة حسنة فلا بأس به وأما بقية المرجفين كالاجواقية والبريدية والسواقين والقصاد الذين يأتون بأمر شنيع فيؤول ذلك على وجهين إما بشارة وخيرأوهم ومصيبة.
وقال أبو سعيد الواعظ من رأى أنه سقط فإنه ليس بمحمود، وأما الصعود فما كان منه إلى السماء فقد تقدم الكلام عليه في بابه وفصله وكذلك يأتي كل شيء في بابه، وأما تعبير الصعود جملة ما لم يكن مستويا فهو محمود، وأما الهبوط فتقدم الكلام أيضاً فيه إذا كان من السماء، وربما كان نيل نعمة الدنيا مع رياسة الدين فإن النبي صلى الله عليه وسلم هبط بعد أن عرج إليها ولم ينقص من شرفه بل زاد شرفه وإذا رأى الهبوط من غير ذلك يأتي ما يدل عليه كل شيء في بابه وفصله.
فمن رأى تلا في مكان مصطحب فإنه يصاحب إنسانا ذا مهابة ويحصل له منه نتيجة، وإن صعده فهو أجود خصوصا إن جلس عليه فإن تحقق أن ذلك التل ملكه فإنه حصول مال وافر، وربما كان من قبل كبير يأخذه منه بالقهر.
ومن رأى شجرا ذا شوك وهو نابت بمكان لا يقتضي نبته فيؤول بقوم سيء خلقهم يجتمعون بمكان لا يقتضي اجتماعهم فيه، وقيل رؤيا عروق الشجر وأصوله تؤول بديانة صاحب الشجرة، وإن جهل ذلك عبرت الرؤيا له، وإن رأى ذلك قويا نابتا يؤول باعطاء الزكاة بتمامها وكمالها، وإن رأى بخلاف ذلك فتعبيره ضده.
ومن رأى أنه سكن بمكان كان فيه ميت فإنه يبلغ مبلغه من أمور الدين والدنيا، ومن رأى أن مكانا سقط فوق من به فجاء الرائي وكشف ذلك فوجدهم أمواتا فإنه يؤول على وقوع موت بتلك الناحية والله أعلم بالصواب.
وكل ما رؤي في غير مكانه وفي ضد موضعه فمكروه، كالنعل في الرأس، والعمامة في الرجل، والعقد في اللسان. وكل من استقضى أو استفتى أو استحلف ممن لا يليق به ذلك، نالته بلايا الدنيا واشتهر بذلك وافتضح.
وأما السقوط فمن رأى أن أحدا سقط عليه فإنه يظفر عليه عدوه ومن رأى أنه سقط من مكان عال مثل الجبل والحائط وما أشبه ذلك فإنه يدل على عدم تمام المقصود ومن رأى أنه خر على وجهه فلا خير فيه وإن كان في خصومة أو حرب لم يظفر وقد يدل السقوط لمن عنده خلل في دينه على انهماكه في المعاصي والفتن ومن رأى أنه سقط في مسجد أو روضة أو ما أشبه ذلك وكان بسبب فعل خير أو كان قاصده فإنه دال على تركه الذنوب
ومن رأى أن السلطان دخل مكانا وليس من شأنه ذلك فانها ذم وهوان وإن كان السلطان صالحاً قيل انه يظهر العدل في ذلك المكان وقيل يظهر فيه الحق لقوله تعالى " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات " .
ومن رأى أن شيئا من ذلك أصاب مكانا ولم يصبه فليس يؤثر فيه ولكن يجري بسببه وكل ما يرمي به الإنسان من جميع الأنواع فهو كلام فما كان منه صائبا كان للكلام تأثير، وإن آلمه كان أبلغ، وإن لم يصب فليس لذلك الكلام تأثير والله أعلم بالصواب.
ومن رأى أنه على شيء مرتفع والنهر يجري من تحته فإنه حصول خير ونعمة ورفعة، وربما كان من أهل الحنة لقوله تعالى " يجري من تحتها الأنهار لهم فهيا ما يشاءون " .
ومن رأى أنه صعد على موضع مرتفع من التلال والسطوح والقصور وغير ذلك فإنه يصيب سلطانا ورفعة وقيل من رأى أنه في موضع مرتفع والناس كلهم تحته فإن كان مريضا فهو نعشه وإن كان عزبا وهو يؤمل النكاح فإنه يتزوج امرأة شريفة ومن رأى أنه هبط من شيء من ذلك فإنه رجوع من حال ومن رأى أنه قصد درجة أصاب سلطانا أو يبلغ الأمر الذي هو طالبه وإن كان مريضا وقد رأى أنه بلغ إلى آخر الدرج فإنه انقضاء عمره وإن رأى أنه صعد درجات كثيرة فإنه يلي أمور رجال وترتفع درجته بهم وربما دل نزول الدرج الإملاء والاستدراج ومن رأى أنه نزل من الدرج فإن كان عاملا نزل عن عمله أو مسافرا قرب من سفره وإن كان له امرأة مريضة هلكت ومن رأى أنه صعد مسلما قديما أصاب خيرا من تجارة وغيرها ومن رأى أنه سقط عن سلم جديد أصابه فترة في دينه ومن رأى انه نصب له سلم فنزل منه إلى مكانه المعروف به فإنه يسلم مما هو فيه من الضرر والخوف من الهلاك
فإن رأى كأنّه دخل عليه، أصاب غنى وسروراً. ودخول الإمام العدل إلى مكان، نزول الرحمة والعدل على أهل ذلك الموضع ومكاشفة الرعية السلطان الجائر، وهن للسلطان وقوة للرعية.
أما بالنسبة للرؤيا التي هي من عند الله ، فلا علاقة لها بالجسد و بالمادة كما قلت ، بل هي متعلقة بالروح ، فهي وحي إلهي يُسيِّره الله بمشيئته وإرادته كيفما يشاء سبحانه وتعالى ، وكذلك الحلم ؛ فهو من الشيطان كما ناقشناه حقيقة لا مجازا . ووجهة النظر هذه شرعية للمتأمل ، ولكن هناك وجهة نظر أخرى توّصلتْ - بعد إجراء العديد من التجارب المعملية - التي تم فيها فحص الدماغ عند بعض الحيوانات كالقطط إلى وجود مجموعة من الخلايا العصبية في مكان ما من الدماغ ، تتحكم بحركة الحيوان ، أو جموده أثناء النوم ، ولأن التجارب تعضد بعضها ، ولأن بعض الحيوانات ُتشاهد وهي نائمة تصدر بعض الحركات أو تصرخ ، مما جعل هؤلاء العلماء يحكمون بإمكانية الحلم عند هذه الحيوانات ، وهذا قد يكون مقبولا ؛ أعني إمكانية حلمها ، وإمكانية كونه صادرا عن بعض الخلايا العصبية ، لكنه حينها يكون من نوع الأضغاث ، كما قررناه عند الحديث عن : أحلام الحيوان ، أما الرؤيا ، والحلم فمحلهـما هو ما قررناه ، ومنطلقه شرعي للمتأمل المنصف ، وآمل أني وضحت هذه المعلومة . والله أعلم .
ومن رأى أنه نبت له سن بمكان لا ينبغي نبته فيه فإنه يدل على حصول أمر ليس بمحمود وإن رأى أنه بلع اسنانه أو بعضها فإنه يأكل ما لا يحل له من المال سواء كانت له أو لغيره.
هل تعبر الرؤيا بشكل واحد , أم تختلف حسب الزمان والمكان والهيئات ؟
مما ينبغي أن يفهمة المعبر وأن يعية جيدا ; أن الرموز قد تختلف حسب الزمان والمكان , ولذا فقد يعبر المعبر رؤيا في وقت أو مكان معينين بتعبير , ويعبر نفس الرؤيا بتعبير مختلف , بسبب اختلاف الزمان أو المكان , وهذا بالمناسبة يحصل كثيرا , وقد يعجب منة البعض من قليلي البضاعة في العلم .
كما أن صاحب الرؤيا ايضا لة دور في اختلاف التعبير ; حسنا أو سوء حسب صلاحة وعدالتة ونحو ذلك من أمور تتعلق بالرائي , ولعل مما يذكر هنا تأييد لما قلتة , قصة الطفيل حين خرج مع جيش المسلمين في قتال المرتدين في اليمامة , وكان معة ابنة عمرو بن الطفيل , قال الطفيل رضي الله عنة :
قال : وخرجت الي بعث مسيلمة ومعي ابني عمرو ، حَتَّى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا ، رأيت كأن رأسي حلق ، وخرج من فمي طائر ، وكأن امرأة أدخلتني في فرجها ، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا ، فحيل بيني وبينه ، فحدثت بِهَا قومي ، فقالوا : خيرا ، فقلت : أما أنا فقد أولتها ، أما حلق رأسي فقطعه ، وأما الطائر فروحي ، والمرأة الأرض أدفن فيها ، فقد روعت أن أقتل شهيدا ، وأما طلب ابني إياي ، فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ، ولا أراه يلحق في سفره هَذَا ، قَالَ : فقتل الطفيل يوم اليمامة ، وجرح ابنه ، ثم قتل يوم اليرموك شهيدا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنة .
قال ابن القيم في "زاد المعاد " بعد القصة (3627) :
واما تعبيرة حلق رأسة بوضعة ,فهذا لأن حلق الرأس وضع شعره على الأرض وهو لا يدل بمجرده على وضع رأسه، فإنه دال على خلاص من همٍّ أو مرض أو شدة لمن يليق به ذلك، وعلى فقر ونكد وزوال رياسة وجاه لمن لا يليق به ذلك، ولكن في منام الطفيل قرائن اقتضت أنه وضع رأسه، منها: أنه كان في الجهاد ومقاتلة العدو ذي الشوكة والبأس. ومنها: أنه دخل في بطن المرأة التي رآها وهي الأرض التي هي بمنزلة أمه، ورأى أنه قد دخل في الموضع الذي خرج منه، وهذا هو إعادته إلى الأرض، كما قال تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم} طه : 155، فأول المرأة بالأرض إذ كلاهما محل الوطء، وأول دخوله في فرجها بعوده إليها كما خلق منها، وأول الطائر الذي خرج من فيه بروحه، فإنها كالطائر المحبوس في البدن، فإذا خرجت منه كانت كالطائر الذي فارق حبسه فذهب حيث شاء؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ",
اخرجة أحمد والنسائي ومالك . ومعني يعلق : أي يأكل ويرعي.
فتأمل كلام ابن القيم هذا وتعلم أن تعبر و تقيس كل رؤيا حسب صاحبها والزمن الذي رئيت فيه، وتأمل مدارسة الصحابة بعضهم البعض في علم تعبير الرؤى، لتعلم أن هذا علم يمكن تعلمه وتعليمه ولو خالفنا في هذا الرأي من خالفنا، والله أعلم.
ومن رأى أنه دخل مكاناً منها فإنه أمن وراحة وزيادة تقوى، وقيل من رأى أنه يعمر شيئا من ذلك فاما أن يعمره في اليقظة أيضاً أو يعمل عملاً صالحا، وإن كان أهلا أن يتولى أمراً فإنه يتولاه أو يتزوج أحداً أو يتفقه في الدين أو يحج في عامه أو يبني حماماً أو خندقاً أو حانوتاً وما أشبه ذلك.