ومن رأى سليمان فإنه يعلو قدره ويصل إلى مرتبة السلطان ان كان ممن يليق به ويزداد ماله ونعمته وقيل نفاذ أمر وحصول خير على كل حال، وقيل من رأى سليمان فإنه يدل على السفر والرجوع عنه عن قريب وربما ينال سلامة لاشتقاق الاسم.
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ويحيى عن محمد بن إبراهيم العدوي، عن أبي عمرو عبد الرحمنِ بن أبي وصافة، عن أبي القاسم البزار، قال: قال علي بن الموفق: حججت نيفاً وخمسين حجة، وجعلت ثوابها للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، ولأبوي، وبقيت حجة واحدة. قال: فنظرت إلى أهل الموقف بعرفات وضجيج أصواتهم، فقلت اللهم إن كان في هؤلاء واحد لم يتقبل حجة فقد وهبت له هذه الحجة، ليكون ثوابها له. قال فبت تلك الليلة بالمزدلفة فرأيت ربي تبارك وتعالى في المنام، فقال: يا علي بن الموفق عليّ تسخى؟ قد غفرت لأهل الموقف ومثلهم معهم وأضعاف ذلك، وشفعت كل رجل منهم في أهل بيته وخاصته وجيرانه، وأنا أهل التقوى وأهل المغفرة.
رؤيا الجهاد
حدثنا محمد بن شاذان، قال حدثني محمد بن سليمان، عن الحسن بن علاء عن حسام بن محمد بن مطيع المقدسي، عن سعيد بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت يا رسول الله مسألة، قال هاتها، قلت الجهاد أفضل أم الرباط؟ فقال عليه السلام: الرباط، رباط يوم وليلة، خير من عبادة ألف سنة.
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله.
أخبرنا الحسن بن بكير بعكا قال: حدثنا أبو يعقوب إسحق بن إبراهيم الأذرعي عن عبد الرحمن بن واصل، عن أبي عبيد التستري، قال: رأيت كأنّ القيامة قد قامت، وقد اجتمع الناس، فإذا المنادي ينادي: أيها الناس، من كان من أصحاب الجوع في دار الدنيا، فليقم إلى الغداء. فقام الناس واحداً بعد واحد، ثم نوديت يا أبا عبيد قم، فقمت وقد وضعت الموائد، فقلت لنفسي: ما يسرني أتى. ثم أخبرنا أبوالحسن الهمذاني بمكة حرسها الله، قال حدثنا محمد بن جعفر، عن أحمد بن مسروق، محال: رأيت في المنام كأنّ القيامة قد قامت، والخلق مجتمعون، إذ نادى مناد الصلاة جامعة، فاصطف الناس صفوفاً، فأتاني ملك عرض وجهه قدر ميل، في طول مثل ذلك، قال تقدم فصل بالناس، فتأملت وجهه، فإذا بين عينيه مكتوب جبريل أمين الله، فقلت فأين النبي صلى الله عليه وسلم، فقال هو مشغول بنصب الموائد لإخوانه من الصوفية، وذكر الحكاية.
الخصيتان: عري الأعداء التي يصلون بها إليه، فإن رأى خصيتيه قطعتا من غير أن ينتنا أو ينالهما مكروه، فإنّ أعداءه يظفرون بقدر ما نيل من خصيتيه، ولو رأى أنّ خصيتيه عظمتا أو لهما قوة فوق قدرهما، فإنه يكون منيعاً لا يصل إليه أعداؤه بسوء. وربما كان انقطاعهما انقطاع الإناث من الولد، إذا كان في الرؤيا ما يدل على الخير. لأنّ الخصيتين هما الأنثيين، والبيضة اليسرى يكون الولد منها، فإن رأى أنّها انتزعت منه مات ولده، ولم يولد له من بعده. فإن رأى أنّه وهبها لغيره بطيبة نفس منه، وبانت منه، فإنّه يولد له ولد لغير رشد وينسب الولد إلى غيره. فإن رأى أنّ خصيتيه في يد رجل معروف، فإنّ ذلك الرجل يظفر به. فإن كان الرجل شاباً فهو عدوه، ومن رأى أنّه آدر، فإنّه يصيب مالاً لا يؤمن عليه أعداؤه. ورأى رجل كأنّ له عشرة ذكور وليست له خصية، فقص رؤياه على معبر فقال له: يولد لك عشر بنين، ولا يولد لك أنثى.
وأما العانة: فنقصانها صالح في السنة، وزيادتها مال وسلطان يناله من جهة رجل أعجمي. فإن رأى كأنّه نظر إلى عانته فلم ير عليها شعراً كأنّه لم ينبت قط، دل على حجر عليه في المال أوخسران يقع له. فإن كان عليه شعركثير حتى تسحبه في الأرض، فإنّه ينال مالاً كثيراً مع فساد دين، وتضييع سنين ومروءة.
والركبة: كد الرجل ونصبه في معاشه ومطلبه، فإن رأى بها حدثاً، فإنّه تنسب إليه الركبة. وقوة جلدها قوة معيشته، وانسلاخ جلدها زيادة كد وتعب. وغلظ جلدها أو ظهورها الورم فيها إصابة مال من تعب. وقيل أنّ المريض إذا رأى في ركبته الماء أو علة، دل على موته. وقيل أنّ الركبتين ينبغي أن يجعل تأويلهما على قوة البدن وحركته وجودة عمله. ولهذا السبب متى كانتا صحيحتين قويتين، فإن ذلك دليل على سفر أو حركة أخرى، وعلى أعمال يعملها صاحب الرؤيا على صحة البدن. وإن رأى فيهما علة أو ألماً، فإنّ ذلك يدل على ثقل الركبتين في الأعمال.
وقال جعفر الصادق رؤيا حلق الرأس تؤول على خمسة أوجه حج وسفر وعز وجاه لقوله تعالى " محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون " وأما إذا كان من أهل الدولة فليس بمحمود الا أن يكون من عادته حلق الرأس في الجمعة مرارا فليس هو رديئا وقيل طول الشعر إذا تجاوز حده ضعف عن القيام بأهله وقيل شقاوة وقيل كثرة أطفال وخوف وهموم.
وأما رؤيا كل من الفتيين فقد ذكرهما الله -تعالى- في قوله : ( ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أعصر خمرا وقال الأخر إني أراني أحمل فوق رأسي
خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ) . سورة يوسف الأيام 41 .
ثم أخبرهما بتأويل كل منهما فقال ( ياصاحبي السجن أما أحدكما فيسقى ربه خمرا وأما الأخر فيصلب فتأكل الطبي من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان )
سورة يوسف الأية 36 .
وقد وقع تأويل يوسف عليه السلام كما أخبر , فأحدهما صلب حتى أكلت الطير من رأسه , والأخر خرج من السجن وخدم الملك .
وقد روى ابن جرير والحاكم عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه-قال :
(الفتيان اللذان أتيا يوسف -عليه الصلاة والسلام- في الرؤيا إنما كانا تكاذبا فلما أول رؤياهما قالا : إنا كنا نلعب
فقال يوسف : ( قصى الأمر الذي فيه تستفتيان ) .
قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ووافقة الذهبي في تلخيصه, قال ابن كثير : وكذا فسره مجاهد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم ,
وحاصله أن من تحلم بباطل وفسره فإنه يلزم بتأويله .
وقوة الطحال: فرج، فإنّه قوام البدن، ومن رأى كأنّ إنساناً قطع مرارة إنسان بأسنانه فمات فيه، فإنّ القاطع يحقد عليه حقداً عظيماً يهلكه فيه. فإن خرج دمه وشر القاطع، فإنّه يحلل ماله على نفسه لجهله وشره.
والتجرد: مع الاشتغال بعمل، دليل على تجلده فيه وظفره بمراده. فمن رأى كأنّه عريان متجرد من ثوبه، فإن له أعداء في الموضع الذي رأى فيه، وهو يغلبهم. فإن لم تكن عورته مكشوفة، فإنّه لا يغلبهم. فإن غطى عورته بشيء أو بيده، فإنّه ينقاد لهم ويهرب منهم. فإن رأى على وسطه مئزراً فقط، فإنّه يجتهد في العبادة. وإن رأى نفسه متجرداً في طلب شيء، نال ذلك الشيء بقدر تجرده وأما العري إذا لم يكن معه اشتغال بعمل، فهو محنة وترك طاعة وهتك ستر.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ رجلاً قائماً وسط المسجد يعني مسجد البصرة، متجرداً، بيده سيف يضرب به صخرة فيفلقها، فقال له ابن سيرين: ينبغي أن يكون هذا الرجل الحسن البصري. فقال الرجل: هو و الله هو. فقال ابن سيرين: قد علمت أنّه الذي تجرد في الدين، يعني لموضع المسجد وإنّ سيفه الذي كان يضرب به لسانه الذي يفلق بكلامه الحجر بالحق في الدين.
والسيف مع غيره من السلاح سلطان والقتال بالسيف منازعة لقوم. والضرب بالسيف بسط اللسان، واليدين إذا كانت فيها سلاطة تشبه بالسيف. والسيف على الانفراد بغير شيء من السلاح، فإنّه ولد غلام. فإن رأى سيفاً في يده قد رفعه فوق رأسه مخترطاً وهو لا ينوي أن يضرب به، نال سلطاناً مشهوراً له فيه صيت. وقال ابن سيرين الأقرب من السيف إن كان ينبغي له السلطان فالسلطان، وإلا فهو ولد ذكر.
وقيل من رأى بيده سهماً، فإنّه ينال، ولاية وعزاً ومالاً. وقيل من رأى بيده نشاباً أتاه خبر سار. ورأى رجل كأنّه يضرب بالنشاب، فقص رؤياه على معبو فقال: إنك تنسب إلى النميمة والغمز. فكان كذلك.
وأما سقوط النجوم في الأرض أو في البحر أو احتراقها بالنار، أو إلتقاط الطير لها، فدلالة على موت يقع بين الناس، أو قتل على قدر الكثرة والقلة، وقد يقع ذلك في جنس دون جنس، إن عرف الجنس الساقط من الكواكب، وأما من ملك النجوم في حجره أو كان يرعاها في السماء أو يديرها في الهواء، فإن كان أهلاً للسلطان ناله، وكان والياً على الناس أو قاضياً أو مفتياً. وإن كان أوضع من ذلك، فلعله ينظر في علم النجوم. وأما سقوطها عليه أو علىِ رأسه، فإن كان مريضاً مات. وإن كان غريماً عليه ديون منجمة، أو كان عبداً مكاتباً، حلت نجومه وطولب بما عليه. وكذلك إن رأى جسمه عاد نجوماً. أو رأسه، فإن كانت النجوم له على الناس منجمة، وصلت إليه واجتمعت له، وكذلك لو كان يلتقطها من الأرض أو من السماء لدنوها منه. وإن سقط النجم على من له غائب قدم عليه، وإن سقط على حامل ولدت غلاماً مذكوراً شريفاً، إلا أن يكون من النجوم المؤقتة كبنات نعش والشعريين والزهرة، فالسيد جارية على قدر ذكر النجم وجماله وجوهره. وقد يدل على موت الحامل، إذا أيد ذلك شاهد معه يشهد بالموت. وأما رؤية الكواكب بالنهار، فدليل على الفضائح والاشتهار، وعلى الحوادث الكبار، وعلى المصائب والبوار. وعلى قدر الرؤيا وعمومها وخصوصها، وكثرة النجوم وقلتها، قال النابغة الذبياني يذكر يوم حرب:
تبدو كواكبه والشمس طالعة ... لا النور نور ولا الإظلام أظلام
ومن رأى النجوم مجتمعة في داره، ولها نور وشعاع، فإنه يصيب فرحاً وسروراً ويجتمع عنده أشراف الناس على السرر. وإن لم يكن لها نور، فهي مصيبة تجمع أشراف الناس. فإن رأى أنه يقتدي بالنجوم، فإنه على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلى الحق. فإن رأى أنه يسرق نجماً من السماء، فإنه يسرق منِ ملك شيئاً له خطر، ويستفقد رجلاً شريفاً. ومن رأى أنه تحول نجماً فإنه يصيب شرفاً ورفعة. ومن رأى أنه أخذ كوكباً، رزق ولداً شريفاً كبيراً. فإن رأى أنه مد يده إلى السماء فأخذ النجوم، نال سلطاناً وشرفاً.
ومن رأى داود فإنه يحصل له ضرر وضيق صدر من جهة العيال، وقيل من رأى داود يكون خليفة في أهله وربما ينال خير أو حكماً وملكاً، وربما يبتلى بسبب امرأة، وربما كان عنده شيء مدخر فأثر فيه السوس فليفقده.
والصيرفي يؤول برجل حليم عالم عارف ذي اختبار وقال ابن سيرين من رأى أنه صار صيرفيا فإن كان من أهل الصلاح فإنه يكون من أهل العلم ويحتار القرآن وإن كان من أهل الدنيا فإنه يختارها على الآخرة.
والودي: مال لا بقاء له مع ندامة. وأما المني: فهو مال باق زائد. فمن رأى كأنّه سال منه مني، ظهر له. فإن رأى أنه يلطخ امرأته بذلك، أعطاها حلياً أو كسوة. فإن رأى عنده مني غيره، صار إليه مال غيره. والجرة من المني، كنز يصيبه من أصابها. فإن رأى أنّه تلطخِ بمني المرأة، انتفع منها. وخروج ماء أصفر من فرج المرأة، يدل على أنّها تلد ولداً ممرِاضاً. فإن خرج ماء أحمر، ولدت ولداً قصير العمر. فإن خرج ماء أسود، ولدت ولداً يسود أهل بيته. فإن خرج من فرجها نار، كان الولد ذا سلطان وجور وظلم. فإن رأت أنّها ولدت سمكة وهي حبلى، فقد قيل انّه ولد طويل العمر، وقيل انّه ولد قصير العمر. فإن رأى رجل كأنّه حائض. فإنّه يأتي محرماً. وكذلك المرأة الشابة، إذا رأت كأنّها اغتسلت من الحيض، تابت ونالها فرج. وأما إذا أيست من الحيض ورأت الحيض، فهو ولد لقوله تعالى: " فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاها بِإسْحَقَ " . والضحك هنا بمعنى الحيض، فإن رأت أنّها تستحاض، فإنّها في إثم وتريد أن تتخلص منه فلايمكنها.
قال ابن سيرين من رأى الصاعقة سقطت يلحق أهل ذلك المكان بقدرها عذاب من الله لقوله تعالى " ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا " فينبغي لهم أن يتوبوا من ذنوبهم إلى الله تعالى.
وقال دانيال عليه السلام رؤيا غائط الإنسان مال حرام، وروث الحيوان على وجهين أما الحيوان الذي يؤكل لحمه فمال حلال من كسب أو غنيمة أو اخراج جزية أو أجرة أو صدقة أو ما يجري مجراها أو هبة، وأما الحيوان الذي لا يؤكل لحمه سواء كان ذا ناب أو مخلب فمال حرام من جهة مظلمة.
رؤيا الله جل شأنه
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله تعالى، و الله تعالى ينظر إليه، فإن كان الرائي من الصالحين، فرؤياه رؤيا رحمة، وإن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر، لقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ النَاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ). فإن رأى كأنه يناجيه، أكرم بالقرب، وحبب إلى الناس قال الله تعالى: (وقَرّبْناهْ نَجيّاً). وكذلك لو رأى أنّه ساجد بين يدي الله تعالى، لقوله تعالى: " واسْجُدْ واقْتَرِبْ " . فإن رأى أنّه يكلمه من وراء حجاب، حسن دينه وأدى أمانة إن كانت في يده، وقوي سلطانه. وإن رأى أنّه يكلمه من غير حجاب، فإنّه يكون خطأ في دينه، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لبَشَرِ أن يُكَلِّمَهُ الله إلا وَحْياً أوْ مِنْ وراءِ حِجَاب)، فإن رآه بقلبه عظيماً، كأنه سبحانه قرَّبه وأكرمه وغفر له، أو حاسبه أو بشره ولمً يعاين صفة، لقي الله تعالى في القيامة.
كذلك فإن رآه تعالى قد وعده المغفرة والرحمة، كان الوعد صحيحاً لا شك فيه، لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد، ولكنه يصيبه بلاء في نفسه، ومعيشته مادام حياً. فإن رآه تعالى كأنه يعظه، انتهِى عما لا يرضاه الله تعالى، لقوله تعالى: " يَعِظُكُمْ لعَلّكُمْ تَذَكّرونَ " . فإن كساه ثوباَ، فهو هم وسقم ما عاش، ولكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير.
فقد حكي أنّ بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين، فلبسهما مكانه، فسأل ابن سيرين، فقال استعد لبلائه، فلم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى، فإن رأى نوراً تحير فيه فلم يقدر على وصفه، لم ينتفع بيديه ما عاش. فإن رأى أنّ الله تعالى سماه باسمه أو اسم آخر. علا أمره وغلب أعداءه، فإن أعطاه شيئاً من متاع الدنيا فهو بل يستحق به رحمته. فإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه، فإن رأى كأنّ أبويه ساخطان عليه، دل ذلك على سخط الله عليه. لقوله عز اسمه " اشْكُرْ لي ولِوالِدَيْكَ " . وقد روي في بعض الأخبار، رضا الله تعالى رضا الوالدين، وسخط الله تعالى في سخط الوالدين.
وقيل: من رأى كأن الله تعالى غضب عليه، فإنّه يسقط من مكان رفيع. لقول الله تعالى: (ومن يَحلِلْ عَلَيْهِ غَضبيَ فَقَدْ هَوَى). ولو رأى كأنه سقط من حائط أو سماء أو جبل، دل ذلك على غضب الله تعالى عليه. فإن رأى نفسه بين يدي الله عزّ وجلّ، في موضع يعرفه، انبسط العدل والخصب في تلك البقعة، وهلك ظالموها ونصر مظلوموها. فإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك وتعالى، نال نعمة ورحمة. فإن رأى مثالاً أو صورة، فقيل له إنّه إلهك أو ظن أنّه إلهه سبحانه، فعبده وسجد له، فإنّه منهمك في الباطل، على تقدير أنّه حق، وهذه رؤيا من يكذب على الله تعالى. فإن رأى كأنّه يسب الله تعالى، فإنّه كافر لنعمة ربه عزّ وجلّ غير راضٍ بقضائه.
في رؤيا الأنبياء والمرسلين عموماً ورؤيا محمد خصوصاً
سمعت أبا بكر أحمد بن الحسيين بن مهران المقري، قال: اشتريت جارية أحسبها تركية، ولم تكن تعرف لساني، ولا أعرف لسانها، وكان لأصحابي جوار يترجمن عنها، قال فكانت يوماً من الأيام نائمة، فانتبهت وهي تبكي وتصيح وتقول: يا مولاي علمني فاتحة الكتاب، فقلت في نفسي انظر إلى خبثها، تعرف لساني ولا تكلمني به، فاجتمع جواري أصحابي وقلن لها: لم تكوني تعرفين لسانه والساعة كيف تكلّمينه؟ فقالت الجارية: إني رأيت في منامي رجلاً غضبان وخلفه قوم كثير، وهو يمشي، فقلت من هذا؟ فقالوا موسى عليه السلام. ثم رأيت رجلاً أحسن منه ومعه قوم وهو يمشي، فقلت من هذا؟ فقالوا محمد صلى الله عليه وسلم، فقلت أنا أذهب مع هذا فجاء إلى باب كبير وهو باب الجنة، فدق ففتح له ولمن معه ودخلوا، وبقيت أنا وامرأتان، فدققنا الباب ففتح، وقيل من يحسن أن يقرأ فاتحة الكتاب يؤذن له، فقرأتا فأذن لهما، وبقيت أنا. فعلمني فاتحة الكتاب، قال فعلمتها مع مشقة كبيرة، فلما حفظتها سقطت ميتة.
قال الأستاذ أبو سعد رحمه اللهّ: رؤيا الأنبياء صلوِات الله عليهم، أحد شيئين، إما بشارة وإما إنذار. ثم هي ضربان: أحدهما أن يرى نبياً على حالته وهيئته، فذلك دليل على صلاح صاحب الرؤيا وعزه وكمال جاهه وظفره بمن عاداه، والثاني يراه متغير الحال عابس الوجه، فذلك يدل على سوء حاله وشدة مصيبته، ثم يفرج الله عنه أخيراً، فإن رأى كأنّه قتل نبياً، دل على أنّه يخون في الأمانة وينقض العهد لقوله تعالى: (فبمَا نقضِهِم ميثَاقَهًمْ وكُفْرِهِمْ بِآياتِ الله وَقَتْلِهِم الأنْبياءَ بِغَيْرِ حَق).
هذا على الجملة، وأما على التفصيل: فإن رأى آدم عليه السلام على هيئته نال ولاية عظيمة إن كان أهلاً لها. لقوله تعالى: (إنِّي جَاعِلٌ في الأرض خليفةً) فإن رأى أنّه كلمه، نال علماً لقوله تعالى: (وَعًلّمَ آدم الأسماء كُلّها).
والجبهة: جاه الرجل وهيبته، والعيب فيها نقصان في الجاه، والهيبة. والزيادة فيها إذا لم تتفاحش، توجب أن يولد له ابن يسود أهل بيته. وقيل من رأى جبهته من حديد أو نحاس أو حجر، فإنّ ذلك محمي للشرط أو السوقة. ولمن كان تدبير معاشه من قمحه، وأما الباقون، فهذه الرؤيا تبغضهم إلى الناس.
وقال أبو سعيد الواعظ رؤيا الجبهة والوجه جميعا تدل على ثلاثة أوجه مال وعز وامرأة حسنة وجاه وقاصد الإنسان، والصدغان ابنتان شريفتان مباركتان فمهما رأى في ذلك فهو منسوب لهما وقاله الكرماني أيضاً ووافقه السالمي.
وأما الدماغ: فإنّه يدل على العقل، ومن رأى أنّ له دماغاً كبيراً، دل على كثرة عقله، فإن رأى كأنّه لا دماغ له، دل على جهله وقلة عقله. وقيل أنّ الدماغ مال نزر مدخور طاهر. فإن رأى كأنّه أكل دماغه أو مخ بعض عظامه، فإنه يأكل ماله. وقال بعضهم أكل دماغ الميت، يوجب سرعة الموت.
وأما اللسان: فترجمان صاحبه، ومدبر أمره، المؤدي لما في قلبه وجوارحه، من صلاح أو فساد، يجري ذلك على ترجمته بما ينطق. فإذا كان فيه زيادة من طول أو عرض أو انبساط في الكلام عند الحجج، فهو قوة وظفر. وإن رأى كأن لسانه طويلاً لا على حال المخاصمة والمنازعة، دل على بذاءة اللسان. وقد يكون طول اللسان ظفر صاحبه في فصاحته ومنطقه وعلمه وأدبه وعظته. فإن رأى الإمام كأنّ لسانه طال، فإنه يكثر أسلحته، ويدل على أنّه ينال مالاً بسبب ترجمان له. واللسان المربوط في التأويل، دليل على الفقر ودليلِ المريض. فإن رأى كأنّه نبت على لسانه شعر أسود، فهو شر عاجل. وإن كان شعراً أبيض فهِو شر آجل. فإن رأى كأنّ له لسانين، رزق علماً إلى علمه، وحجة إلى حجته وظفراً على أعدائه. وقيل المعتدل المقدار في الفم الصحيح، محمود لجميع النالس.
وأما الذكر: فإنّه ذكر الرجل في الناس وشرفه أو ولده. والزيادة والنقصان فيه في ذلك. وقيل أنّه إذا رآه طال فوق المقدار، نال هماً. فإن رأى له ذكرين أصاب ولداً مع ولده، وذكراً في الناس مع ذكره، وشرفه، فإن كان قلعه بيده أو قلع بعضه، ثم أعاده إلى مكانه، مات له ابن واستفاد بدله، وذهب ماله ثم رجع إليه. وانقطاعه حتى يبين منه، دليل على موته أو موت ولده، لأنّ ذكره ينقطع بموته. وقيامه قوة الجد، وحركته نشاطه، وسعة دنياه. وربما كان انقطاع ذكره وانقطاع اسمه وذكره من ذلك البلد أو المحلة. وذلك مع انقطاع ما يدل على السلامة والخير، ولا يكون معه ما يدل على موت.
والذكر إذا نقص أو زاد أو عظم أو صغر، بعد أن يكون له طرف واحد، فإنّ عامة تأويله في الولد والنسل. وإذا تشعب فكانت له شعب كثيرة أو قليلة، فإن عامة تأويله في شرفه وذكره في الناس، بقدر ذلك، لأنّ شعبه انتشار ذكره. وضعف الذكر، دليل على مرض الولد أو إشرافه على سموط جاهه. فإن رأى كأنّه يمص ذكر إنسان أو حيوان، عاش الماص بذكر صاحب الذكر، واسمه، فإن رأى أنّه خنثى، حسن دينه.
إن رأى أنّه دخل جهنم: ثم خرج منها في يومه ذلك، فإنّ ذلك براءة أصحاب المعاصي والكبائر، وذلك نذير ينذره ليتوب ويرجع. فإن رآها ولم يصبه مكروه منها، فإنَّ ذلك من غموم الدنيا وبلاياها، يصيبه من ذلك على قدر ما يناله منها أو رآه. فإن رأى أنّه لم يزل فيها لم يدر متى دخلها، فذلك لا يزال مضيقاً عليه متفرقاً أمره مخذولاً ذليلاً حتى يخرج منها. فإن رأى أنّه يأكل من طعامها أو شرابها أو ناله من حرها أو أذى من خزانها. فإنّ كل ذلك أعمال المعاصي منه. وقال القيرواني: أما من أدخل جهنم، فإن كان كافراً مريضاً مات، وإن كان مؤمناً تقياً مرض واحتم، لأنّ الحمى من فيح جهنم، وافتقر وسجن. وإن كان سوقياً أتى كبيرة، أو داخل الكفرة والفجرة في دورهم، أو خالطهم في أعمالهم وأسواقهم. وقال إنَّ دخول الجنة للحاج، يتم حجه ويصل إلى الكعبة بيت الله المؤدية إلى الجنة. وإن كان كافراً أو مذنباً رأى ذلك في غيره، أسلم من كفره وتاب. وإن كان مريضاً مات المؤمن من مرضه، وأفاق الكافر من علته، لأنّ الجنة آخرة للمؤمنين، والدنيا جنة الكافرين. وإن كان عزبَاً تزوج امرأة، لأنّ الجنة دار الزواج والإنكاح. وإن كان فقيراً استغنى، وقد يرث ميراثاً. ويدل دخولها على السعي إلى الجماعة، أو إلى دار علم وحلق ذكر وجهاد ورباط، وإلى كل مكان يؤدي إليها.
وقال بعضهم: رؤيا القمر تدل على ولادة ابن لملك ذلك المكان فإن رأى للقمر نوراً زائداً يدل على طول حياة ذلك المولود إن رأى أنه بدر يكون عمره وسطاً، وإن رآه ناقص النور يكون عمره قصيراً.
ومن رأى يوسف فإنه يحصل له من جهة أقاربه بهتان وفي عاقبته يصل إلى مرتبة السلطنة ويعلو قدره ويبلغ مراده، وقيل من رأى يوسف ربما يحصل له هم من قبل امرأة وعاقبته إلى خير وربما دلت رؤيته على بشرى.
وقال خالد الاصفهاني أولت بتوفيق الله رؤيا الظلم بعدم الافلاح لقوله لا أفلح من ظلم، وربما دل الظلم على الخراب وقد تقدم بقية الكلام على الظلم في الباب السابع عشر في فصل رؤيا الظلم.
في تأويل رؤيا الصوم والفطر
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: اختلف المعبرون في تأويلهم الصوم، فقال بعضهم من رأى أنّه في شهر الصوم، دلّت رؤياه على غلاء السعر وضيق الطعام. وقال بعضهم أنّ هذه الرؤيا تدل على صحة دين صاحب الرؤيا، والخروج من الغموم، والشفاء من الأمراض، وقضاء الديون.
وأما اللحية: فمن رأى كأنّها طالت فوق قدرها، دلت رؤياه على دين وغم. فإن طالت حتى سقطت على الأرض، دلت على الموت، لقوله تعالى: " مِنْها خَلَقْنَاكُمْ وفِيهَا نُعِيدُكُمْ " . فإن طالت حتى التصقت ببطنه، أصاب مالاً وجاهاً يتعب فيه بقدر ما كان منها على بطنه. فإن رأى أن طولها لقدر حسن موافق، نال مالاً وجاهاً وعيشاً طيباً. وقيل أنّها إن طالت حتى بلغت السرة، دلت على أنّه في غير طاعة الله. فإن رأى أنّ جوانبها طالت دون وسطها، فإنّه ينال مالاً يستمتع به غيره، وأتى ابن سيرين رجل، فقال: رأيت لحيتي بلغت سرّتي، وأنا أنظر فيها. فقال: أنت مؤذنَ تنظر في دور الجيران.
ولا تحمد اللحية في التأويل للصبي غير البالغ، فإن رأى أنّه أخذ لحية غيره بيده وجرها، فإنّه يرث ماله ويأكله. ونقصان اللحية إذا لم يكثر، دليل على اليسر وقضاء الدين والفرج. وإذا كثر نقصانها، دل على الهوان وذهاب المال والجاه. فإن رأى كأنّ كوسجاً يكلم امرأته، تشوش عليه أمره بقدره، ويفرق بينه وبين أحبابه، لأنّ إبليس لعنه الله كلّم حواء في صورة كوسج.
وسواد شعر اللحية يدل على الإستغناء إذا كان حالكاً، فإذا ضرب السواد إلى الخضرة، نال ملكاً ومالاً كثيراً، ولكن يكون طاغياً، لأنّها صفة لحية فرعون. وصفرتها دليل على الفقر والقلة، وأما الحمرة فدليل الورع. وإذا رأى كأنّه تناول لحيته وانتثر شعرها بيده. وأمسكه ولم يرم له، فإنّه يذهب من يده مال ثم يعود إليه فإن رأى كأنّه رمى به، ذهب منه مال ولا يعود إليه.
زيادة شعر الشارب مكروهة. ونقصانه محمود، وتأويل نتف اللحية للغني إسرافه في ماله، وللفقير يدل على غمين يجتمعان عليه، ويدل على أنّه يستقرض من إنسان شيئاً فيقرضه لآخر. وحلق اللحية ذهاب المالي والجاه. فإن رأى كأنّه قطع من لحيته ما فضل عن قبضته، فهو يؤدي زكاة ماله. والشيب في اللحية وقار وهيبة.
والخضاب: ستر، وإذا كان الخضاب بالحناء، دل على تمسكه بالسنة. فإن رأى كأنّه خضب رأسه دون لحيته، فإنّه يحفظ سر رئيسه. فإن رأى كأنّ خضبهما جميعاً، فإنّه يجتهد في إخفاء فقره، ويطلب القدر عند الناس. وإن قبل الشعر الخضاب، فإنّلى يرجع جاهه ولا يبقى كثيراً، ويتجمل بالقناعة ثم ينكسف. فإن رأى كأنّه يخضب بطين أو جص، فإنّه يطلب محالاً ويشتهر أمره. ولحية المرأة تدل على أنّها لا تلد أبداً، وقيل تدل على مرضها، وقيل تأويلها زيادة مال زوجها وابنها وشرف ولدها، وقيل إنّها إن كانت متزوجة دلت على غيبة زوجها. وإن رأت ذلك حبلى فإنّها تلد ابناً ويتم أمره.
وقيل من طالت لحيته وكثر شعره طال عمره وزاد ماله.
وقيل إنّ الشيء الذي يكون قبل وقته، يدل على الشر، مثل أن يرى للصبياز الذكور لحية أو بياض في الشعور، وللإناث من الصبيان الصغار عرس أو ولد. كذلك جميع ما يكون في غير وقته ما خلا النطق، فإنّ النطق هو دليل خير، لأنّ الإنسان بالطبيعة حيوان ناطق. فإن رأى غلام لم يبلغ الحلم أنّ له لحية، فإنّه يموت ولا يبلغ الحلم، وذلك أنّه قد سبق الوقت الذي كان ينبغي أن يكون له فيه لحية. فإن لم يكن الغلام بعيداً من وقت نبات اللحية، فذلك دليل على أنّه ينفرد، ويقوم بأمر نفسه. وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين، فقال: رأيت كأنّ لحيتي طالت ولم يطل سبالاي، فقال: تصيب مالاً يتهنأ به غيرك. والعنقفة عون الرجل الذي يتباهى به ويعيش به في الناس، فما رأى فيها من حدث فتأويله فيما ذكرت.
ومن رأى نصف لحيته محلوقة، فإنّه يفتقر ويذهب جاهه، فإن حلقها شاب مجهول، ذهب جاهه على يد عدو يعرفه، أو سميه أو نظيره. فإن حلقها شيخ، ذهب جاهه بحده المقدور، وإن كان مجهولاً، فإنه يذهب جاهه على يدي رئيس مستغل قاهر، لا يكون له أصل، فإن رأى أنها مقطوعة، فإنّه يقطع من ماله ويذهب من جاهه بقدر ما قطع من لحيته. فإن رأى أنّها حلقت، فهو ذهاب وجهه في عشيرته، ومقدرته من ماله. والحلق أيسر من النتف، وربما كان النتف صلاحاً لبعض أمره إذا لم يشك الوجه، إلا أنّ ذلك الصلاح فيه مشقة عليه.
وأما الفخذ: فعشيرة الرجل، فإن رأى أنّ فخذه قطعت وبانت، فإنّه يتغرب عن قومه وعشيرته، حتى يكون موته في الغربة، لأنّ الفخذ إذا قطعت وبانت لا ينجبر صاحبها ولا يلتئم، فلذلك لا يرجع إلى قومه أبداً. فمن رأى كأنّ فخذيه نحاساً فإنّ عشيرته تكون جريئة على المعاصي.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت فخذي حمراء وعليها شعر نابت، وأمرت رجلاً فقص ذلك الشعر. فقال: أنت رجل عليك دين يؤدّيه عنك رجل من قرابتك.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " من رأى أنه يشرب لبناً فهو الفطرة " . قال الأستاذ أبو سعد: رؤية اللبن في الثديين للرجال والنساء مال، ودر اللبن منها سعة المال فإن رأت امرأة لا لبن لها في اليقظة، أنها ترضع صبياً أو رجلاً أو امرأة معروفين،فإن أبواب الدنيا تنغلق عليها وعليهم. وقال بعضهم من رأى كأنّه ارتضع امرأة، نال مالاً وربحاً. ومن رأى كأنّه شرب لبن فرس أو رمكة أحبه السلطان ونال منه خيراً.وألبان الأنعام مال حلال من السلطان.
وقال الكرماني من رأى النبي فرحا مسروراً ذا بشاشة يدل على العز والجاه والظفر، وإن رآه غضبان عبوس الوجه يدل على الشدة والعلة وربما يجد يعدها فرجاً، وإن رأى أنه سمع أو أخذ شيئا من نبي يصيب نصيبا من علم ذلك النبي ويكون مسرورا.
ومن رأى ادريس يحسن أمره ويكون عاقبته محموده وقيل من رأى ادريس يدل على اجتهاد في العبادة وان يكون فيها بصيرا فإن ادريس كان أعدل أهل زمانه وأعرفهم بالحكمة.
وقال إسماعيل بن الأشعث رؤيا اصابع الرجلين تدل على الزينة واستقامة الأمور فمن رأى فيهم ما يزين أو يشين فتأويله في ذلك وإن رأى في أصابعه اعوجاجا سواء كانوا منسوبين ليديه أو رجليه فهو انعكاس وليس ذلك بمحمود.
وأما القدح فإنه يؤول بالمرأة فمن رأى أنه أعطى قدحا وبه ماء يشرب وشرب منه فإنه يتزوج امرأة أو يشتري جارية ويحصل له منها ولد صالح يستريح به وإن كان فيه نبيذ وشرب منه فإنه يدل على حصول ولد مفسد سيء الفعال لا يستريح منه.
وأما الأصابع: فولد الأخ، على القول الذي قيل أنّ اليد أخ. وتشبيكها من غير عمل بها ضيق اليد. والاشتغال بشغل أهل البيت، وبني الأخوة، بأمر قد حزَّبهم يخافون منه على أنفسهم، وقد تظاهروا في دفعه وكفايته.
وقيل أصابع اليد اليمنى، هي الصلوات الخمس، والإبهام صلاة الفجر، والسبابة صلاة الظهر، والوسطى صلاة العصر، والبنصر صلاة المغرب، والخنصر صلاة العتمة، وقصرها يدل على التقصير والكسل فيها، وطولها يدل على محافظته على الصلوات، وسقوط واحدة منها، يدل على ترك تلك الصلاة. ومن رأى إحدى الأصابع موضع الأخرى، فإنّه يصلي تلك الصلاة في وقت الأخرى. فإن رأى كأنه عض بنان إنسان، دل على سوء أدب المعضوض، ومبالغة العاض في تأديبه. فإن رأى كأنّه يخرج من إبهامه اللبن، ومن سبابته الدم، وهو يشرب منهما يباشر أم امرأته أو أختها. وفرقعة الأصابع تدل على كلام قبيح بين أقربائه. فإن رأى الإمام زيادة في أصابعه، كان ذلك زيادة في طمعه وجوره وقلة إنصافه.
وحكي أنّ هارون الرشيد رأى ملك الموت عليه السلام، قد مثل له، فقال له: يا ملك الموت كم بقي من عمري؟ فأشار إليه بخمس أصابع كفه مبسوطة، فانتبه مذعوراً باكياً من رؤياه، وقصها على حجام موصوف بالتعبير، فقال: يا أمير المؤمنين، قد أخبرك أنّ خمسة أشياء علمها عند اللهّ، تجمعها هذه الآية: " إنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ الساعَةِ " الآية. فضحك هارون وفرح بذلك.
وأصابع اليد اليسرى أولاد الأخ والأخت، والأظافير مقدرة الرجل في دنياه، وبيض الأظفار يدل على سرعة الحفظ والفهم، ورؤية الأظفار في مقدارها صلاح الدين والدنيا. والمعالجة بها دليل الاحتيال في جمع الدنيا، وطولها مع حسنها مال وكسوة، وإعداد سلاح لعدو، أو حجة أو مال، يتقي بذلك شرهم. وطولها بحيث يخاف انكسارها، دليل على تولي غيره إفساد أمر بيده، لإفراطه في استعمال مقدرته. فإنّه يخرج زكاة الفطر فإن رأى كأنّ شيخاً أمره بقلمها، فإن وجده يأمره بالقيام بتعهد نفسه وصيانة جاهه.
وخضاب أصابع الرجل بالحناء، دليل على كثرة التسليح، وخضاب أصابع المرأة بالحناء يدل على إحسان زوجها إليها. فإن رأى كأنّه خضبتها فلمٍ تقبل الخضاب فإن زوجها لا يظهر حبها. فإن رأى الرجل كفه مخضوبة خضاباً وحشاً، نال كداً في معاشه، فإن كانت يده اليمنى مخضوبة خضاباً وحشاً، دلت رؤياه على أنّه يقتل رجلاً. فإن رأى كأنّ يديه مخضوبتان بالحناء، فإنّه يظهر ما في يده من خير أو شر، أو من ماله أو من مكسبه أو صناعته. فإن رأى يديه منقوشتين بالحناء، فإنّه يحتال حيلة من البيت، ليصرف بعض أثاث البيت في نفقته لقلة كسبه، ويشمت به عدوه، ويناله ذل. فإن رأت امرأة يدها منقوشة، فإنه تحتال لزينتها في أمر هو حق. فإن كان النقش بالطين، دل على كثرة تسبيحها. فإن رأت نقش يديها قد اختلط بعضه ببعض، أُصيبت بأولادها. فإن رأت كأن يدها مخضوبة بالذهب أو منقوشة به، فإنها تدفع مالها إلى زوجها أو يصيبها منه فرح، فإن رأى رجل أنّه مخضوب أو منقوش بالذهب، فإنّه يحتال حيلة يذهب فيها ماله أومعيشته.
وأما شعر الإبط: فإنّ طوله دليل على نيل الحاجة، لقوله تعالى: " واضْمُمْ يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بيضاء مِنْ غَيْرِ سوء " ويدل على دين صاحبه وكرمه. فإن رأى شعر إبطه كثيراً، فإنه رجل يطلب بجلادته جمع المال في العلم والولاية والتجارة وغيرها، ولا يرجع إلى المرأة والدين. فإن كان فيه قل كثير دل على كثرة العيال.
سئل ابن سيرين عن رجل أخذ جرة وأوثق فيها حبلاً وأدلاها في ركية، فلما امتلأت الجرة انحل الحبل وسقطت الجرة. فقال: الحبل ميثاق، والجرة امرأة، والماء فتنة، والركية مكر، وهذا رجل بعثه صاحب له يخطب عليه امرأة فمكر الرجل وتزوجها.
وأتاه آخر فقال: رأيت على كفي جرة ماء فوقعت الجرة وانكسرت وبقي الماء.
فقال: امرأتك حامل؟ قال نعم. قال: فإنّها تموت ويبقى الولد.
ومن رأى نوحا يطول عمره ولكن يصادفه من الاعداء ضرر وتعب وعاقبة الأمر يحصل مراده، وقيل من رأى نوحا يكون له أعداء وجيران يحسدونه وينجيه الله تعالى من شرهم وينتقم الله منهم.
من رأى أنه خرج مع القوم إلى موسم من المواسم فإنه خروج من هم وغم وإن كانوا في حرب وكرب كشف الله عنهم ذلك، وقيل خلاص من أسر أو سجن أو قيل فرح وسرور، وربما دل على راحة وأمن الخاطر وقيل رؤيا الموسم تعبر على ستة أوجه عرس وطهور ووليمة وغزو وأمر مشهور وسفر.