وكذلك إن رأى في منامه كأنّ القبور قد انشقت، والأموات يخرجون منها، دلت رؤياه على بسط العدل، فإن رأى قيام القيامة، وهو في حرب. نصر. فإن رأى أنه في القيامة، أوجيت رؤياه سفراً، فإن رأى كأنه حشر وحده، أو مع واحداً آخر دلت رؤياه على أنّه ظالم، لقوله تعالى: " احشُرُوا الذِينَ ظَلَمُوا وأزْوَاجَهُمْ " .
نبش القبور: فإنّ النباش يطلب مطلوباً خفياً مندرساً قديماً لأنّ العرب تسميه مختفياً إما في خير أو شر، فإن نبش فهو عالم ففيه نبش على مذهبه وإحياء ما اندرس من علمه، وكذلك قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يفضي به نبشه إلى رمة بالية وخرق متمزقة أو تكسِر عظامه فإنه يخرج في علمه إلى بدعة وحادثة، وإن وجده حياً استخرج من قبره أمراً صالحاً وبلغ مراده من إحياء سنته وشرائعه على قدره ونحوه. وإن نبشِ قبر كافِر أو ذي بدعة أو أحد من أهل الذمة طلب مذهب أهل الضلالة أو عالج مالاً حراماً بالمكر والخديعة، وإن أفضى به النبش إلى جيفة منتنة أو حمأة أو عذرة كثيرة، كان ذلك أقوى في الدليل وأدل على الوصول إلى الفساد المطلوب.
وأما من رأى ميتاً قد عاش فإنّ سنته تحيا في خير أو شر لرائيها، خاصة إن كان من أهل بيته أو رآه في داره، أو للناس كافة إن كان سلطاناً أو عالماً. وأما أكل الميت من دار فيها مريض، فدليل على هلاكه، وإلا ذهب لأهلها مال. وأما من ناداه الميت فإن كان مريضاً لحقه، وإن كان فقيهاً فقد وعظه وذكره فيما لا بد منه ليرجع عما هو فيه ويصلح ما هو عليه، وأما من ضربه ميت أو تلقاه بالعبوس والتهدد وترك السلام، فليحذر وليصلح ما قد خلفه عليه من وصية إن كانت إليه أو في أعمال نفسه وذنوبه فيما بينه وبين الله تعالى. وإن تلقاه بالبشر والشكر والسلام والمعانقة فقد بشره بضد حال الأول، وقد تقدم في ذكر باب الأموات ما فيه غنى.
وأما الحمل فوق النعش: فمؤيد لما دل عليه الموت في الرؤيا، وقد يلي ولاية يقهر فيها الرقاب. وأما الدفن فمحقق لما دل عليه الموت، وربما كان بأساً لمن فسد دينه من الصلاح، وربما دل على طول إقامة المسافر وعلى النكاح وعلى العروس ودخول البيت في الكلة مع العروس من الاغتسال ولبس البياض ومس الطيب، ثم يزوره إخوانه في أسبوعه. وربما دل على السجن لمن يتوقعه، فإن وسع عليه ونوم نومة عروس كان ما يدل عليه خير أكله وحسنت فيه عقباه وكثرت دنياه، وإن كان على خلاف ذلك ساءت حالته وكانت معيشته ضنكاً.
وكان ابن سيرين يقول: " أحب أن آخذ من الميت وأكره أن أعطيه " . وقال: إذا أخذ منك الميت فهو شيء يموت. ومن مات ولم ير هناك هيئة الأموات فإنّه انهدام داره أو شيء منها، وإذا رأى الحي أنّه يحفر لنفسه قبراً بنى داراً في ذلك البلد أو تلك المحلة وثوى فيها، ومن دفن في قبر وهو حي حبس وضيق عليه، وإن رأى ميتاً عانقه وخالطه كان ذلك طول حياة الحي، وإن رأى الميت نائماً كان ذلك راحته.
جاء إليه آخر فقال يا أبا بكر بن سيرين إن رجلا رأى كأن يفقط بيضا من رؤوسها فيأخذ بياضها ويترك صفرها فقال ابن سيرين قل للرجل بل ينتهي قال إني أبلغه عنك قال لا ثم عاد إليه مرة بعد مرة يقول له ذلك ويجيبه مثل جوابه الأول ثم قال له إن رأيته فاستحلفه إن هو رآها لحلف فقال إن كنت صادقا فأنت نباش تأخذ أكفان الموتى وتترك أجسادهم فقال والله لا أعود أبدا
قال بعض المعبرين رؤيا أهل التقوى خير فمن رأى أنه سلك طريق شيء من ذلك فإنه يسلك الطريق المجيدة ويكون الله تعالى معه في جميع أحواله لقوله تعالى " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " وأما المعصية فتعبيره ضد ذلك.
ومن رأى أنه جلس في حانوت وكان أهلا للولاية فإنه يتولى منصبا، وكلما ارتفع الحانوت كان محمودا، وأما الحانوت الذي وضع فيه آلة الأموات فإنه محل يكتسب منه الرفعة، وأما حانوت السقاية فهو محل يحصل منه الخير والرزق للخاص والعام.
هل براعتي في تفسير رؤي وأحلام أهلي تجعل مني معبرا ؟
يوجد من الناس رجلا كان أو امرأة من يقرأ في علم تفسير الرؤى والأحلام ، ويتطور حبه لهذا العلم لمحاولة تفسيره لأحلامه ، وقد يتطور هذا للتفسير لمن حوله ، بخاصة للقريبين جدا منه ، وقد ينجح في تفسير بعضها أو كثير منها ، حسب براعته وملكته وثقافته.
قد تنجح البنت حين تسمع من أمها عدة رؤى وفيها من الرموز رمز المطر يتكرر، وهذا على سبيل المثال لا الحصر أن تتعرف على الصواب في تحديد معناه في رؤية أمها بخاصة ، وهذا ممكن ، لكن سؤالي هو : هل ستنجح حين تجلس أمام كثير من النساء وقد لا تكون تعرفهن في معرفة معنى الرمز نفسه وتوقعه على معناه المناسب لكل من يسألها ؟
قد ينجح أحدهم بتعبير رؤية زميله مرة من المرات من خلال القياس مثلا على تعبير رؤية عبرها أحد البارعين بهذا الفن ، ولكنه لن يستطيع أن يعبر رؤى مشابهة لغير صديقه هذا ؛ للاختلاف بين صديقه وغيره من السائلين، وهذا يشبه لحد كبير من يعطي ابنه دواء لتسكين الحرارة ، ولكنه غير قادر بل وقد يعد جانيا عليه إن صرف له دواء آخر في حالة مرضية أخرى ، فالمسألة هذه خطيرة جدا ، فالرؤى لا تقاس بعضها على بعض في التعبير وهنا الصعوبة ؛ ولذا فليس المقياس في براعة فلان أو فلانة ، نجاحه في التفسير لأهله وذويه فحسب ، بل المعيار أوسع وأشمل من هذا ، ولذا قلت ما قلت سابقا ؛ من أراد أن يكون معبرا ناجحا فلا بد له من التمرس وهذا يكون بتعبير الرؤى لعينات كثيرة ودون معرفة عميقة بهم، وإيقاع الرؤيا على المعنى الصحيح المراد، بتفصيلها على مقاس صاحبها .
إن نجاح الإنسان في تعبير رؤى زملائه، ونجاح الإنسان في تعبير رؤى أهله ليس كافيا لإطلاق لقب [ معبر ] عليه، وما يطرح بين فترة وأخرى حول هذا الموضوع من قصص للبعض في نجاحهم بتعبير رؤى أو أحلام الأهل أو الأصدقاء يندرج تحت هذا الباب ، فأرجو الانتباه لهذا الفرق
إذا حلمت برؤية أهلك وهم فرحين فسوف تعيش حياة اجتماعية فرحة بانسجام تام. وإذا ظهروا لك بعد موتهم فهذا نذير باقتراب المشاكل والضيق فخذ حذرك وانتبه إلى ما تفعله.
وإذا حلمت بأهلك وهم ما زالوا أحياء ورأيتهم في بيتك سعداء فإن تغيرات كثيرة ستجير معك في المستقبل نحو الأفضل. بالنسبة لفتاة ذلك يعني الزواج والفرح.
إذا حلمت بأهلك شاحبين مجللين بالسواد فأنت ستمر في ظروف حزن وضيق.
وإذا حلمت برؤية أهلك يبدون مرتاحين راضين فذلك يعني أنك تعيش موفقاً في محيط سعيد. يبسم لك الحظ على صعيد العاطفة والعمل.
أما إذا رأيت أهلك حزينين أو متوعكين صحياً فتفسيره أن فرص الحياة ستمر بك دون أن تقتنص أياً منها.
من رأى أن الله تعالى غضب على أهل مكان يدل على أن قاضي ذلك المكان يميل في القضاء وأنه يظلم الرعية أو عالمه يكون غير متدين، وإن كان الرائي سارقا سقطت رجله ويدل على أن الرائي يكون مذنبا أيضاً ولائقا بالعقوبة ويقع في ذلك المكان بلاء وفتنة.
نادرة جاء رجل إلى ابن سيرين فقال رأى رجل أنه يشق بيضا من رؤوسها فيأخذ بياضها ويترك صفارها فقال ابن سيرين قل للرجل يأتيني لأعبرها له قال أبلغه عنك ذلك قال لا ثم كرر عوده إليه مرارا وهو يقول كذلك وفي آخر الأمر قال أنا الذي رأيته فاستحلفه واستوثق منه فأمر أحد أصحابه أن يأتيه بأحد من دار الشرطة ليحمله إليه ويعرفه بأنه نباش الموتى وسارق أكفانهم فقال أشهدك أني تبت إلى الله ولا أعود لذلك.
وأما القبور والدفن فمن رأى أنه حفر لنفسه أو لغيره قبرا أو حفرة فإنه يبني دارا في ذلك البلد أو يقيم بها ومن رأى أنه يردم قبرا فإنه تطول حياته وتدوم صحته ومن رأى أنه دفن في قبر من غير أن يموت فإنه يسجن وربما يصيبه ضيق في أمره ومن رأى أنه مدفون في قبر على هيئة الأموات من غير ردم فإنه ينكح امرأة ومن رأى أنه يطوف بالقبور وينتقل منها وهي مفتوحة فإنه يدخل بيوت أهل البدع أو بيوت السجن ومن رأى أنه مسلم رجلا إلى حفرة فإنه يلقيه في هلكة ومن رأى أنه سوى عليه التراب نال مالا ومن رأى أنه يحفر قبرا على سطح فإنه يعيش عمرا طويلا ومن رأى أن القبور مخضرة فإن أهلها في رحمة ومن رأى أن المقابر تمطر فإنها رحمة من الله تعالى عليهم ومن رأى أنه يدفن حيا فإنه يظفر بعدوه ومن رأى أن جماعة دفنوا شخصا فإنهم متعصبون على هلاكه ومن رأى أنه يدفن عدوه فإنه يظفر به
هذه المسألة من المسائل التي توقفت عندها كثيرا ، وبعد البحث الطويل في صفات أهل الجنة ، وأهل النار أقول :
الجنة دار نعيم ، وأي نعيم ، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي الذي يرويه البخاري في كتاب الجنة وصفة نعيمها من طريق أبي هريرة رضي الله عنه: [ أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ] .
وجاء في صفتهم قوله صلى الله عليه وسلم عنهم ، كما جاء في البخاري كذلك ، في نفس الموضع السابق : [........ لا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا يمتخطون ، ولا يتفلون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في السماء ] .
وهذا النعيم أبـدي ، والنار دار شقاء أبدي كذلك ، وقد ثبت في الصحيح كذلك ما رواه البخاري من طريق أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [....يا أهل الجنة ! خلود فلا موت ، ويا أهل النار ! خلود فلا موت ] .
والنوم من صفات النقص في حق أهل الجنة ، وقد جاء في الحديث من طريق أبي هريرة مرفوعا : [ النوم أخو الموت ، ولا ينام أهل الجنة ] ، وهذا الحديث صححه العلامة الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة ، ج/1 ص: 74 ح:1087 كما أنه ينافي العذاب الأبدي لأهل النار ، فهم يتمنون أن يخفف الله عنهم العذاب ، ولكن ليس لهم إلا الحسرة كما جاء عنهم قوله تعالى [ وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ] مريم:39 .
75 - عن بقية بن الوليد قال : حدثني أبو غياث قال : بينا أنا أغسل رحلاً من أهل القدر قال: فتفرقوا عني فبقيت أنا وحدي فقلت: ويل للمكذبين بأقدار الله، قال: فانتفض حتي سقط عن دفه، قال: فلما دفناه عند باب الشرقي رأيت في ليلتي تلك في منامي كأني منصرف من المسجد إذا بجنازة في السوق يحملها حبشيامن رجلاها بين يديهما فقلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، قلت: سبحان الله أليس قد دفناه عند باب الشرقي، قال دفنتموه في غير موضعه، فقلت: والله لأتبعنه حتي أنظر ما يصنع به فلما أن خرجوا به من باب اليهود مالوا به إلي نواويس النصاري فأتوا قبراً منهما فدفنوه فيه فبدت لي رجلاه فإذا هو أشد سواداً من اليل .