ومن رأى أنه أخذ كفن ميت فهو على وجهين إن كان من أهل الصلاح فإنه يشتغل بعلم غريب دقيق، وربما حصل له مال من وجه حرام، وإن كان من أهل الفساد فإنه يدل على قلة دينه وتشويشه على الناس وأن يكون غمازا فتانا.
ومن رأى أن ميتا ينازعه وهو معرض عنه أو يعظه بقول غليظ أو يضربه فإنه يدل على أنه مرتكب معصية فليتب لله، وربما كان نيل خير من سفر أو قضاء دين أو اعادة شيء خرج عن اليد.
ومن رأى ميتا قد ناوله ثوبا مخيطا ليس من ملبسه وتناوله ولبسه ثم قلعه وناوله للميت ثم لبسه الميت فإنه دليل على موت أهل بيته ولو لم يناول ذلك الثوب للميت لما حصل له ذلك النقص بل كان يزيد ماله.
ن رأى ميتا كأنه يصلي في غير موضع صلاته الذي كان يصلي فيه أيام حياته فتأويلها أنه وصل إليه ثواب عمل كان يعمله في حياته، أو ثواب وقف قد وقفه وتصدق به، فإن كان الميت واليا فإن عقبه ينالون مثل ولايته،
ن رأى ميتاً معروفاً: مات ثانية كان لموته بكاء من غير نوح أو صراخ، فإنّه يتزوج بعض أهله فيكون فيهم عرس، وإلا مات من عقبه إنسان. وكذلك إذا كان لموته صراخ أو نوح أو رنة مما يكرهه أصله في التأويل.
إن رأى ميتا يشتكي رأسه، فهو مسؤول عن تقصيره في أمر والديه أو رئيسه فإن كان يشتكي عنقه، فهو مسؤول عن تضييع ماله أو منعه صداق امرأته. فإن كان يشتكي يده فهو مسؤول عن أخيه وأخته أو شريكه أو يمين حلف بها كاذبا. وإن كان يشتكي جنبه، فهو مسؤول عن حق المرأة. فإن كان يشتكي بطنه فهو مسؤول عن حق الوالد والأقرباء وعن ماله. فإن رأى أنه يشتكي رجله، فهو مسمؤول عن إنفاقه ماله في غير رضا الله. فإن رآه يشتكي فخذه، فهو مسؤول عن عشيرته وقطع رحمه، فإن رآه يشتكي ساقيه، فهو مسؤول عن إفنائه حياته في الباطل.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت رجلاً أسود ميتاً، يغسله رجل عليه. فقال أما موته فكفره، وأما سواده فماله، وأما هذا القائم يغسله فإنّه يخادعه ماله.
لو رأت امرأة أنَّ رجلاً ميتَاَ تزوجها ودخل بها في دارها أو عندها، فإنَّ ذلك نقصان في مالها وتغير حالها وتفريق أمرها. فإن كان دخل بها الميت في دار الميت فهي مجهولة، فإنّها تموت. وإن كانت الدار معروفة للميت، فهي علىٍ ما وصفت نقصان في مالها.
ومن رأى أنه ينكح أمه وكانت ميتة فإنه يدل على انقضاء أجله لقوله تعالى " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم " الآية، وأول بعضهم هذه الرؤيا إذا كان صاحبها غائبا بالاجتماع على أمه إن كانت موجودة.
فإن رأى في محلته نسوة ميتات معروفات قد قمن من موضعه مزينات، فإنه يحيا لأصحاب الرؤيا والأعقاب أولئك النسوة أمور على قدر جمالهن وثيابهن، فإن كانت ثيابهن بيضا فإنه أمور في الدين، وإن كانت حمرا فأمور في اللهو، وإن كانت سوداء ففي الغنى والسؤدد، وإن كانت خلقانا فإنها أمور في فقر وهم، وإن كانت وسخة فإنها تدل على كسب الذنوب فإن رأى ميتا كأنه نائم، فإن نومه راحته في الاخرة.
ومن رأى أنه سكن بمكان كان فيه ميت فإنه يبلغ مبلغه من أمور الدين والدنيا، ومن رأى أن مكانا سقط فوق من به فجاء الرائي وكشف ذلك فوجدهم أمواتا فإنه يؤول على وقوع موت بتلك الناحية والله أعلم بالصواب.
فإن رأى ميتا ضاحكا، فإنه مغفور له، لقوله تعالى: " وجوه يومئذ مسفم ضاحكة مستبشرة " . فإن رأى ميتا طلق الوجه لم يكلمه ولم يمسه، فإنه راض عنه لوصول بره إليه بعد موته
قال دانيال من رأى أن ميتا قد ناوله شيئا من المأكل والمشرب ولم يأكله فإنه ينقص من ماله بقدر ذلك، وإن أكله فهو خير ومنفعة، وإن ناوله شيئا من متاع الدنيا فإنه حصول خير ووصول أمل.
ومن رأى أنه قد خرج من ميت شيء من الأشياء كالبول والغائط والقيح والدم والبصاق والبلغم وما أشبه ذلك فهو على وجهين قيل لا تأويل له لكونه لا يمكن صدور ذلك منه، وقيل يؤول لكل شيء من ذلك من معنى ما تقدم ويجيء على عقبه، وربما كان بنوع غير ذلك مما يراه المعبرون بفراسة في المعنى، وقال آخرون غير ذلك وتقدم أنه إذا رأى في حق الميت ما لا يمكن وقوعه منه يعبر بالنظير أو السمى أو العقيب ونحو ذلك.
فائدة في بيان قص الرؤيا وتعبيرها فمنهم من قال أنه جائز في كل الأوقات ويرجع من طلوع الشمس إلى وقت الزوال ومنهم من قال لا يجوز بغير شمس ومنهم من قال من طلوع الشمس إلى فائدة لا ينبغي أن تقص الرؤيا إلا على معبر ويجب على من لا يعرف علم التعبير أن لا يعبر رؤيا أحد فإنه ياثم على ذلك لأنها كالفتوى وهي في الحقيقة علم نفيس وقد ورد في الحديث ما معناه أن الإنسان إذا لم يعلم الجواب وسكت عنه فإنه يؤجر.
س: هل ما يراه النأس في منامهم من صور و رموز عند تشابهها تكون ذات تعبير واحد ؟
ج : هذا السؤال يرد كثيرا , فهل ما يراه الإنسان في نومه له تعبير واحد لا يتغير, بمعنى أن قن رأى مثلا الشمس والقمر فيكونان رمز أبويه , أمة وأبيه , قياسأ على رؤية يوسف , ومن رأى بقرة فتدل على السنة كما عبرها يوسف , وهكذا. . والجواب: لا, فالرؤى يتنوع تعبيرها من شخص إلى اخر, ومن وقيت الى اخر فالرسول صلي الله علية وسلم عبر رؤياه حين رأى البقر التي تنحر, بقتل أصحابه يوم أحد ، رضي الله عنهم ، ويوسف عليه الصلاة والسلام عبر البقر السمان بالسنوات الخصبة التي يكثر فيها الرزق ، والبقر العجاف ، بالسنوات القحط التي يقل فيها الرزق والمطر.
والمرجع في هذا إلى المعبر للرؤيا، وتأملة في ألفاظها ، وتأملة في حال صاحبها وزمان الرؤيا ، وكل هذا يستخلص منه المعبر التعبير، فالشمس مثلا لها أوجه متعددة من حيث التعبير والمرجع في هذا الى المعبر. قيل لأحد المعبرين : رايت الشمس والقمر دخلا جوفي ، فقال تموت ، واحتج بقوله تعالى:
وقال حابس بن سعد الطائي وقد ولاة عمر القضاء , يا أمير المؤمنين:
اني رايت الشمس والقمر يقتتلان ، والنجوم بينهما نصفين.
فقال عمر: مع أيهما كنت ؟ قال : مع القمر على الشمس.
قال عمر: كنت مع الأية المحمودة ، اذهب فلست تعمل لي عملا، ولا تقتل الأ في لبس من الأمر. . فكان كما قال عمر رضي الله عنه ، فقتل يوم صفين`1`)، ويوسف حين رأى رؤياه عبر الشمس والقمربأبويه.
فالشمس والقمر لو تأملت ، لم ترد بمعنى واحد في هذه الرؤى ، ولذا يظهر لك خطأ منتشر بين الناس - وبخاصة -العامة منهم ، فعندما يرون الموتى مثلا يظنون أنه كناية عن قرب الأجل ، أو مؤشر على رسالة أو وصية لم تنفذ ، وعندما يبكي في المنام يقولون: هو فرح ، وهذا غير صحيح كما ظهر لنا من خلال الأدلة السابقة.
هل يختلف تعبير الرؤيا تبعاً لاختلاف بلاد الرائي؟
ج:نعم، يختلف التعبير تبعاً لاختلاف حال الرائي وهيئته كما ذكرنا، ويدخل في هذا صناعته، ومكانته، وديانته، وعمره...
والسؤال هنا عن البلد ومعرفته مهم في التعبير،
فالبلاد الحارة تختلف عن البلاد الباردة، والبلد البترولي الذي يعتمد على البترول، يختلف عن البلد الزراعي، والبلد الذي يعتمد عى مياه البحر وصيده يختلف عن البلد الذي يقع في الصحراء ويعتمد على صيد البر، والبلد ذو الطبيعة الجبلية يختلف عن البلد ذي الطبيعة المستوية..
فالبلد الصحراوية مثلاً رؤية الثلج لهم تعْبر بالرزق أو الخصب أو قدوم المطر.
ورؤية المزارع الخضراء لأهل البلد الزاعي قد تدل على البيع الوفير للمحاصيل، وسلامة المحصول من الآفات، وهي لغير أهل هذا البلد قد لا تكون بمثل هذا التعبير الدقيق بما يتعلق بالمحاصيل الزراعية. وهكذا،
وعادات البلد مهمة فلو رأى إنسانٌ في بلد أنه يمارس عادة بلده وهي مستنكرةُ عند المعبر فعلى المعبّر ألا يعجل ويسأل الرائي عن عاداته في بلده فربما هي حميدة في الوقت الذي يراها المعبر مستنكرة،
والعادات مرجعها إلى العرف السائد، وهو يختلف من بلد إلى آخر.
هل يمكن تعلم تعبير الأحلام ؟
أو هي موهبة يهبها الله لمن يشاء من عبادة , كما هو شائع بين قطاع كبير من معبري الأحلام , ومن الناس ?
وهل هو علم يمكن أن يكتسب ويتعلم ومن ثم يتقدم صاحبة فية - حسب مواهبة - أو يستمر علي مستوي واحد فية نتيجة لقدراتة , التي لا يمكنة تجاوزها ؟
وهل هي فراسة يقطع بها صاحبها , أم تخمين وظن , والظن يخطي ويصيب ؟
ان الواضح لمن يقرأ هذا الكتاب , أن صاحبة يميل الي أن علم التعبير علي رفيع ، واختص بالله به بعضا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كيوسف وابراهيم ويعقوب ومحمد ، وبرع فية الكثير من الصحابة الأجلاء كابي بكر ، وعمر ، وعائشة ، وغيرهم ، ولكن ليس هذا العلم فراسة تولد مع صاحبها ، وليس الهامأ فحسب ، و ان كان المعبر للرؤيا من أصحاب هذين النوعين أفضل ورأيه أصوب ، لكن هذا لا يجعلنا نغلق باب تعليم الرؤيا لغير هذين النوعين !
نعم من يعبر الرؤيا من باب الفراسة أو الالهام مقدم علي غيرة ، ولكن لي هنا تساؤل بسيط :
من الذي يصنف على انة من هذين النوعين من غير الرسل م من غير السلف الصالح ، من الصحابة والتابعين المشهود لهم ؟
ومن الذي يملك أن يعطي الاخرين هذا الحق غير الرسل - عليهم الصلاة والسلام . ؟ ولعل منهم محمد صلي الله علية وسلم حين شهد لبعض صحابته بتفوقهم في بعض العلوم والمعارف ، ولذا فقد شهد لابي بكر رضي الله عنه بتفوقة في هذا الجانب ، ولعمر في جانب الالهام ، ولابن عباس في علم التفسيروهكذا ، يوجد الكثير من الاسئلة ، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال فية الله سبحانة :" وما ينطق عن الهوي (3) ان هو الا وحي يوحي (4)" .
من هذا المنطلق نحلل السؤال للتوصل لإجابته من خلال فهمنا للنصوص ، وبإستعراضنا للقصص التي وردت عن كبار المعبرين ، فماذا نجد ؟
نجد أن هذا العلم منحة الهية في أصلة ، ولكنه يمكن تعلمية وتعلمه من خلال دراسة كيفية التعبير عند اولئك المصطفين به ، من الرسل والصالحين ، أو من برع فيه ممن جاء بعدهم ممن شهد له بهذا من اهل العلم .
ومما يسند وجهة النظر هذة ، بروز الكثير من الصحابة في هذا الجانب وتعلمهم إياه على يدي رسول الله صلي الله علية وسلم . ولعلنا ننظر عند قول أبي بكر للرسول صلي الله علية وسلم في احدى المرات حين قص عليه الرسول رؤيا وهي :
عن ابن شهاب قال : رأى النبي صلي الله علية وسلم رؤيا فقصها على أبي بكر فقال : " يا أبا بكر ، رأيت كاني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف " ، فقال:يا رسول الله ، يقبضك الله الي رحمتة ومغفرته وأعيش بعدك سنتين ونصفأ ، ذكره السيوطي في الخصائص الكبري وعزاة لابن سعد ´1`).
وهنا نجد الرسول صلي الله علية وسلم بسكوته علي تعبير أبي بكر فكانما يعطيه شهادة الصحة لهذا التعبير. . نجده في موقف اخر يقول رؤيا اخرى وهي : قال صلي الله علية وسلم : " رأيت كأني أتيت بكتلة تمر فعجمتها في فمي فوجدت فيها نواة اذتني فلفظتها, ثم أخذت اخري فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها ، ثم أخذت ثالثة فعجمتها فوجدت فيها نواة فلفظتها " ، فقال أبوبكر: دعني فلأعبرها ، قال: قال: " اعبرها " .
قال: هو جيشك الذي بعثت يسلم ويغنم فيلقون رجلا فينشدهم ذمتك فيدعونة . قال : " كذلك قال الملك " . رواة أحمد في مسندة ، هنا لاحظ أن الرسول صلي الله علية وسلم حين طلب منة أبو بكر أن يعبرها لا
يجامل في الحق ولولا معرفته ببراعة أبي بكر ما وافق على طبلة ، ولاحظ هنا أن الرسول الكريم بقولة هذة . المرة لأبي بكر:" كذلك قال الملك " ، يعطيه شهادة عالية على صحة كلامه .
وقد يقول قائل اذا : ان أبا بكر ممن ألهموا هذا العلم فلا مجال للخطأ عنده ، ويرد على وجهة النظر هذه أن من صوب لأبي بكر وشهد لة ، هنا ، خطأة في موضوع اخر وهذا يثبت أن هذا علم يتعلم ، قد ينجح صاحبة في تعلمة وقد يفشل وقد يخطئ.
انظر لهذا الموقف الاخر . عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يحدث أن رجلا اتي رسول الله صلي الله علية وسلم فقال :
" إني رايت الليلة في المنام ظلة`1` تننظف`2` السمن والعسل ، فأرى الناس يتكففون منها `3` فالمستكثر والمستقل ، و اذا سبب `4`) واصل من الارض الى السماء ، فاراك اخذت ب فعلوت ، ثم أخذ بة رجل من بعدك فعلا ، تم أخذ بة رجل اخر فعلا ، ثم اخذ بة رجل اخر فانقطع بة ثم وصل لة فعلا .
فقال ابو بكر : يا رسول الله ، بأبي انت والله لتدعني فلاعبرنها
فقال لة رسول الله : " أعبرها " ، وفي رواية لابن ماجه : " عبرها "
قال أبو بكر : اما الظلة فالاسلام .
وأما الذي ينطف من العسل والسمن ، فالقران حلاوته تنطف فالمستكثر من القران والمستقبل .
وأما السبب الواصل من السماء الى الارض ، فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ، ثم يأخذ بة رجل فيعلو به ، ثم يأخذ به رجل اخر
فيعلو به ، ثم يأخذ به رجل فينقطع به ، ثم يوصل لة فيعلو به . فاخبرني يا رسول الله بأبي أنت اصبت أم أخطأت ؟
فقال النبى صلي الله علية وسلم : "أصبت بعضا وأخطأت بعضا ؟
قال أبو بكر: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت ؟
قال : " لا تقسم " , متفق علية .
ولي مع هذا الحديث وقفة طويلة وهي :
ان أبا بكر هنا لم يصب في بعض تعبيره وبهذا يرد على قائل يقول : ان ابا بكر ممن يعبر الرؤيا فراسة أو الهامأ فلا مجال ولا سبيل للأستشهاد بحكاية تعلمة لتعبير الرؤيا. فهو ومن معة قبل النبوة لم يرد عنهم تعبير الرؤى . وانما هم في وجهة نظرى خريجون من مدرسة معلم الأمة ، الذي كان يسألهم عند رؤاهم ، وكان كثيرا ما قال لهم كما مر بنا : " من رأى منكم رؤيا " . كما في صحيح مسلم`2` ، وقد قال أهل العلم : أن من فوائد هذا الحديث:
الحث على علم الرؤيا والسؤال عنها وتأويلها ، وكان الرسول صلي الله علية وسلم يعلمهم تأويل الرؤى وفضائلها ، وما اشتملت علية من الاخبار بالغيب ، فهذه كما ترى دروس يومية من الرسول صلي الله علية وسلم على مسامع الصحابة ، ليس فيها تلقين فحسب ، بل تلقين ومحاورة وافهام واستنباط ، وهولاء الذين برعوا فى تعبير الرؤى منهم هم كالتلاميذ بين يدي أستاذهم ، فمنهم من برع في علم التفسير، ومنهم من برع في الفقه ، ومنهم من برع في علم المواريث ، ومنهم من برع في علم الحديث ، فلا عجب أن يوجد منهم من برع في علم التعبير. واذا سلمنا بهذة . النظرية نظرية التعلم ، فيمكن كذلك أن يبرع
في زمننا بعض العلماء في علم التعبير ويمكن لهؤلاء ان يدرسوا هذا الفن لغيرهم وهذا الرأي قد يكون غريبا على البعض في هذا العلم بخاصه ولكن ربما تحرجهم من هذا العلم كونه اشبه بالالهام والفراسه وكأن فيه تشبها بالرسل فوجد الحرج من هذه الجهه ,ومن وجهه نظرالكاتب ان هذا الرأي قاصر وفيه الزام للاخرين بما لا يلزم وهذا يقال لمن يعنف من يحاول السؤال عن الرؤى وتعلم التعبير قال النووي تعليقا على حديث سمره بن جندب :كان النبي اذا صلى الصبح اقبل عليهم بوجهه فقال "هل رأى احد منكم البارحه رؤيا؟".
فيه استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة الى تأويلها وتعجيلها اول النهار وفيه اباحه الكلام في العلم وتفسير الرؤيا ونحوها.
قال الامام ابن السعدي في تفسيرة ( 2 / 442 ) تعليقأ على الاية التي امتن الله بها على يوسف بتأويل الأحاديث: ان فيها اصلا لتعبير الرؤيا فإن علم التعبير من العلوم المهمة التي يعطيها الله لمن يشاء من عباده ، وأن هذا العلم يثاب الإنسان على تعليمة وتعلمه .
ولذا ثبت أن عمر بن الخطاب كان يسأل أسماء بنت عميس الخثعمية عن تعبيرالرؤيا كما في تهذيب التهذيب لابن حجر ( 12399 ).
وذكر ابن سعد في الطبقات ( 7124 ): أن سعيد بن المسيب كان من أعبر الناس للرؤيا ، وكان أخذ ذلك من أسماء بنت أبي بكر وأخذته اسماء عن أبيها وأخذة ابو بكرعن الر سول الكريم صلي الله علية وسلم .
وقال ابن عبد البر كما في التمهيد ( 1 / 313 ) تعليقأ على حديث سمرة ايضأ : وهذا الحديث يدل على شرف علم الرؤيا وفضلها ; لانة صلي الله علية وسلم انما كان يسال عنها لتقص عليه ويعبرها ; و ليعلم اصحاب كيف الكلام في تأويلها
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب كما في مجموع مؤلفاتة ( 5 130 ) علم التعبير علم صحيح يمن الله بة علي من يشاء من عبادة .
وقال ايضأ ( 5 143 ) : عبارة الرؤيا علم صحيح ذكره الله فى القران ولاجل ذلك قيل : لا يعبر الرؤيا إلا من هو من أهل العلم بتأويلها ، لأنها من أقسام الوحي .
وقد نبة الشاطبي رحمة الله في الموافقات ( 2 415 ) : أنة ما من مزية و منقبة اعطيها النيي صلي الله علية وسلم سوى ما استثني ، إلا وقد أعطيت أمته نموذجأ ، وهذا يعلم بالاستقراء ، ومن ذلك أنة أعطي الوحي لة ، ولامتة أعطيت الرؤيا الصالحة .
وقال ابن حجر:
الحث على تعليم علم الرؤيا وعلي تعبيرها وترك إغفال السؤال عنة وفضيلتها لما تشتمل عليا من الاطلاع على بعض الغيب واسرار الكائنات ا.هـ كلامه.فاذا توفر في المتعلم ادوات هذا العلم من المعرفه بالقران والسنه والبراعه باللغه العربيه والامثال السائره ودقائق هذا العلم فما المانع ان يتعلم التعبير ومن ثم يعبر؟
اظن ان هذا حق مشروع والعلم واسع ولا يحاط به لكن لا بد من وجهه نظري من التتلمذ على من يجيد هذا العلم ويجيد تصديره للاخرين ممن وهبهم الله تبسيط المعلومه وتسهيلها على المتلقين وعلينا الا نفتح المجال للعامه الذين ليس عندهم ادوات هذا الفن من الذين يحلون لانفسهم ويحرمون بناء على حلم عابر.
واليك صورأ بسيطة من سخف عقول البعض منهم :
لقد حرر البعض فلسطين بالأحلام وصلى البعض الاخر في القدس ،
وتواعد البعض في ساحة الحرم المكي بانتظار أن يخسف بالجيش الذي سيأتي ويطهر بيت الله من تدنيسهم وأسقطت طائرات وصرفت وصفات طبية بناء على أحلام وهكذا القائمة تطول فهل ياترى أصبحت أمتنا أمة أحلام؟
حتى العبادة دخلتها الأحلام من أوسع أبوابها ، انظر الى ليلة القدر تجدها حددت من خلال الرؤى ، وانظر للصدقة تجد دافعها الأكبرما يقولة الموتي لهولاء العامة !
ان الكثير من الناس يرى باب الصدقة مفتوحأ ولا يتصدق حتى يفسر لة حلم على أنة مقصر في بابها .
هل تريدون امثة أكثر، وصورا أعظم ، والله ان منهم من رمى امراتة بالزني بسبب حلم شاهد فية امرأتة فعبرة لنفسة من خلال قراءة بعض الكتب أنها زانية فطلقها!
بل ان هناك من يزعم أن رسول الله صلي الله علية وسلم جاءه في المنام فأمرة ونهاه ، فلما أصبح شرع يعلم الناس ويعمل بما في هذه الرؤى !
ان المتصفح مثلا للانترنت يشاهد الكم الها ئل من التحليلات والاطروحات التي ان تصفحها وجدها ترتكز على رؤيا من هنا او هناك ، ولعل من طرائف ما قرأت من يؤكد أن المهدي كان من حجاج عام كذا وكذا، وحادثة طعن أحد الحجاج بزعم طاعنة انة المسيح الدجال بناء على رؤيا راها ليلة الحادثة !
إن الكاتب يتسائل سؤالا مهمأ: متى تفيق خذه الامة من أحلامها وتلحق بالعلم في زمن العلم ؟
العلم لة شروطة وأدواته وطرائقة ، التي لا يمكن تجاوزها ، فعلم التعبير من أشرف العلوم ولا يجدر بأي إنسان ان يعبر الرؤى فلا بد من المعرفة بالقران وألفاظة فاذا رأى أحد مثلا شيئا ما ، علية أن ينظر في القران الكريم اولا فان وجد علاقة بين الرؤيا واية من الايات ربط بينهما وهنا أضرب أمثلة : السفينة مثلا قد تعبر بالنجاة لقولة تعالي : وَقَوْله تَعَالَى : " فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَاب السَّفِينَة " ( العنكبوت : 15 ) .
والخشب قد يعبر بالمنافقين لقولة تعالي : " كأنهم خشب مسندة " ( المنافقون : 4 ) .
والطفل الرضيع قد يعبر بالعدو لقولة تعالي :" فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ " (8) .
والرماد قد يعبر بالعمل الباطل لقولة تعالي : مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ( ابراهيم : 18 ) .
وهكذا السنة ، فالرسول صلي الله علية وسلم وضع الأصول والقواعد الأساسية لهذا الفن ، وكان يخبر الصحابة بادابها وأنواعها ويسألهم عن رؤاهم ويعبرها لهم ، مما قد ذكرت أمثلة وجانبا منة في ثنايا الكتاب فلا داعي للتكرار ، لكن يجب أن يعلم هنا أن رؤي الأنبياء حق فهي وحي من الله واجب التنفيذ علي ظاهرها ، أو هي ترد علي صورة رموز وهذة الرموز يفسرها الرسول صلي الله علية وسلم لصحابتة ومن ثم يشاهدونها تتحقق كوقائع مادية ملموسة . وهذا من الخبرات التي مر بها هولاء الصحابة فاستفادوا منها ، وأفادوا فيما بعد رضي الله عنهم .كذلك لا بد من المعرفة بأصول هذا الفن من أن وقت الربيع هو من أفضل الأوقات للرؤي بدليل قولة صلي الله علية وسلم : " اذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب . . . " (1) رواة مسلم ، وقد أشرت لة وأن معناة اذا تساوي ليلة ونهارة وهذا وقت الربيع يحصل أكثر من غيرة . .
كذلك علية أن يعلم بمقادير الناس الذين يقصون رؤاهم علية فرؤيا العمال البسطاء غير رؤيا أصحاب المناصب والعلماء ، وأن يعلم ببلدانهم ومذاهبهم ووقت الرؤيا .
كذلك علية أن يعلم أن السباع والطيور – الا ما ندر – هي في التعبير رجال وأن القمح والشعير والعسل والصوف والحديد غالبا أموال ، وهكذا هذا الفن لة قواعدة وهي ليست سهلة المنال بل لا بد من دراستها والتتلمذ علي يد مجيد متقن لها لمن أراد التعلم ، والله أعلم .
جانب القران جانب الحديث جانب اللغة العربية جانب الرموز
وقت الرؤيا الرئي ماذا عنة ؟
فالمعبّر عند قصّ الرؤيا عليه، ينظر لجوانب متعددة وضّحتها في الرسم السابق ويلاحظ أنَّ الأقسام العلوية هي ذات علاقة باللفظ،
والأقسام التي في الأسفل لها علاقة بصاحب الألفاظ أو صاحب الرؤيا والزمن الذي رؤيت فيه الرؤيا.
ولنضرب هنا مثالاً بما رواه البخاري في صحيحه:
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قُمُص، منها ما يبلغ الثُّدِيَّ ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرُّه ))،
قالوا: ماذا أوَّلت ذلك يا رسول الله ؟
قال: (( الدِّين ))
فتح الباري 12/413 _ النووي 15/159
الرسول صلى الله عليه وسلم هنا عبر القميص بالدِّين،
ولسائل أن يقول: لماذا عبّر الرسول صلى الله عليه وسلم القميص هنا بالدِّين؟
لو نظرنا للقرآن لزال عنا هذا التساؤل،
قال تعالى: { وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ } [ الأعراف: 26 ]
ولذا عبّرها الرسول صلى الله عليه وسلم هنا بالدِّين كما أنَّ هناك علاقة من حيث المعنى، فالقميص يستر العورة في الدنيا، والدِّين يسترها في الآخرة، ويبعد عنها كل مكروه.
إذاً الرسول صلى الله عليه وسلم هنا من خلال تفرّسه بالرؤيا فسّرها من الجانب الأقوى فيها وهو القرآن الكريم،
والأمثلة على هذا كثيرة،
ومنها: تعبير السفينة بالنجاة، والخشب بالمنافقين، والحجارة بقسوة القلب، وأكل لحم الرجل بغيبته، والنعاس بالأمن ... وغيرها.
ويضرب أمثلة أخرى لإمكانية فك رموز الرؤى من خلال السنة المطهرة فرؤية النخلة قد تعبر بالرجل المؤمن لتشبيه الرسول للرجل المسلم بالنخلة،
والحديث عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مَثَلُ المُسْلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله : فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت. ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله. قال: هي النخلة )).
[ فتح الباري 1/145 ]
_ ورؤية قارورة الماء تعبر بالمرأة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيح
((رفقاً يا أنجشة بالقوارير )) [ فتح الباري 10/ 538 ] ،
_ ورؤية الثوب تعبر بالدين كما عبر الرسول صلى الله عليه وسلم الثوب الذي رآهُ لعمر وهو يجره بالدين.
إذا من هنا أستطيع أن أوضّح للقارئ الكريم [ مراحل تعبير الرؤيا ].
في الشكل التالي:
الرؤيا
النظر فيها وتأمل جوانبها من حيث :
أ - الرموز والألفاظ للرؤيا هل لها علاقة ب :
القران الكريم - السنة النبوية - اللغة العربية واشتقاقاتها
ثم ب - صاحب الرؤيا من حيث : حالتة الاجتماعية وجنسة ووظيفتة
ثم ج - وقت الرؤيا وهل هي حديثة أم قديمة , صيفا أو شتاء . . .
ومثال آخر ما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الرؤيا:
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنّا في دار عُقبة بن رافع، فأُتينا برُطَب ابن طاب فأوَّلتُ الرِّفعة لنا في الدنيا والعاقبة لنا في الآخرة، وأنَّ ديننا قد طاب)).
لا حظ تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الرؤيا تجده قد عّبرها من جانب اللغة واشتقاقاتها دون الربط بين التعبير وجانب القرآن، والسنّة مثلاً وهذا نلاحظه من خلال تأمّلك للتعبير.
فالرسول صلى الله عليه وسلم
أوّل عقبة في الرؤيا: بحُسن العاقبة في الحقيقة وهذا في الآخرة،
وأوّل رافع في الرؤيا: بالرِّفعة والانتصار وهذا في الدنيا،
وأوّل الرطب من رطب ابن طاب: باستقرار الدَّين وكمال أحكامه،
ومن المعروف أن الرطب هو آخر مراحل النضج بالنسبة للتمور ولهذا والله أعلم عبّرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم باستقرار الدِّين وكماله وانتهاء أحكامه.
وأخذ من كلمة طاب معنى الاستقرار أيضاً.
ولو تساءلنا عن سبب تعبيرها من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من جانبها اللغوي والاشتقاقي،
فالجواب: لأنه أقوى في هذه الرؤيا من الجوانب الأخرى، والمعبّر وهو هنا رسول الله من فراسته وعلمه الذي هو من علم الله ، فهو لا ينطق عن الهوى عبّرها من هذا الجانب.
لذا فالمعبرون عند قصّ الرؤيا عليهم يبحثون عن الجانب الأقوى أو جانب الرؤيا الجيد والذي من خلاله يفترسون هذه الرؤيا ولا يخفى على القارئ الكريم أنَّ افتراسهم للرؤيا هو معرفة تعبيرها من خلال النظر والتأمّل فيها.
ما الفرق بين تعبير الأحلام والكهانة ؟ أو ماذا عن طرق الناس في ادعاء علم الغيب ، وهل تفسير الأحلام من ادعاء علم الغيب ؟ وكيف ترد على من يقول إن تعبير الأحلام ضرب من ضروب الكهانة أو التنجيم..!؟
هذا الكلام متناقل بين الناس ، وهو موجود ، وأصحاب هذا الكلام بحاجة إلى أن يسألوا أنفسهم أولا سؤالا : ما الفرق بين من يمسك كرة بلورية ويدعي أنه من خلالها يشاهد المستقبل ، أو يسألك عن اسم أمك ؛ وهو هنا يسخر بالزواج و يلحقك بالزنى الذي ُيدعى من ُولد بواسطته لأمه ، أو يطلب منك رفع إحدى يديك ويقرأ ما فيها من خطوط بكفك ومن ثم يخبرك بما سيحصل لك ، أو يخط بالرمل ، أو يسألك عن برجك....، وغيرها من الطرق التي توجد عند أصحاب الأبراج والمشعوذين، ما الفرق بينها، وبين من يربط الرؤيا بآيات القرآن الكريم، أو السنة المطهرة ، ويقول في بدء التفسير ما ورد وما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو ثبت عن صحابته ، مثل : [ خيرا رأيت وشرا كفيت ، إن صدقت رؤياك حصل كذا وكذا] ويقول قبل تفسيره أو بعده : والله أعلم ؟
أظن الفرق واضح لكل منصف ولكل من يتجرد من الهوى ،أما من يحارب هذا المجال لأسباب شخصية ، أو كان معاديا لبعض مناهج المعبرين الذين أدخلوا في التعبير ما ليس منه ، كالعبادات ، وعلامات الساعة ، أو التنبؤ بأحداث ستقع ، والجزم بها ، وتحديد مدد محددة لوقوعها ، ويظن عن غير علم بمنهجنا ، وغير متابعة لما نطرحه ، وقد يكون لم يشاهد حلقة واحدة من هذا البرنامج ، ولكنه لا يزال راكبا موجة المعارضة ، يظن أننا من هؤلاء القوم ، أقول قف ..... ولا تستمر في معارضتك حتى ترى حجتنا ، وتسمع لقولنا ، ولا تكن كحاطب ليل .
وأدعو كل منصف لقراءة ما قاله ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد [ 4/255] قال لما تعرض لطرق الناس في ادعاء معرفة الغيب :
ويكفي الاعتبار بفرع واحد من فروعه وهو عبارة الرؤيا ، فإن العبد إذا أنفذ فيها وكمل اطلاعه جاء بالعجائب .وقد شاهدنا نحن وغيرنا من ذلك أمورا عجيبة يحكم فيها المعبر بأحكام متلازمة صادقة سريعة وبطيئة ، ويقول سامعها هذه علم غيب ! وإنما هي معرفة ما غاب عن غيره بأسباب انفرد هو بعلمها وخفيت على غيره ...... إلى أن قال :
بخلاف علم الرؤيا ، فإنه حق لا باطل ؛ لأن الرؤيا مستندة إلى الوحي المنامي ، وهي جزء من أجزاء النبوة. ولهذا كلما كان الرائي أصدق وأبرأ وأعلم كان تعبيره أصح ، بخلاف الكاهن والمنجم وأضرابهما ممن لهم مدد من إخوانهم من الشياطين ، فإن صناعتهم لا تصح من صادق ولا من بار ولا من متعبد بالشريعة ، بل هم أشبه بالسحرة الذين كلما كان أحدهم أكذب وأفجر وأبعد عن الله ورسوله ودينه كان السحر معه أقوى وأشد تأثيرا ، بخلاف علم الشرع والحق ، فإن صاحبه كلما كان أبر وأصدق وأدين كان علمه به ونفوذه فيه أقوى وبالله التوفيق. انتهى كلامه .
وهنا أقول لمن يعارض التعبير منا أو يزعم أننا ندعي الغيب ما رأيك بعد هذا البيان
من رأىَ أنّه تزوج بامرأة ميتهَ ودخل بها، فإنّه يظفر بأمر ميت يحتاله، وهو في الأمور بقدر جمال تلك المرأة، فإن لم يكن دخل بها ولا غشيها فإنّ ظفره بذلك الأمر يكون دون ما لودخل بها.
من رأى ميتاً مقبلاً عليه ضاحكاً إليه، فقد شكر له عمله في وصيته أو أهله، أو لما وصل إليه من دعائه. فإن لم يكن هناك شيء من ذلك فقد بشره بحسن حاله وطاعته لربه. ومن دعا له ميت، فدعاؤه أخبار عما في غيب الله عزّ وجلّ.
ومن رأى أنه جامع امرأة ميتة معروفة فإنه حصول خير وبلوغ ما يؤمله من حيث لا يحتسب، وإن كان الميت رجلاًمعروفا فحصول الخير لذلك الرجل والصدقة والأجر والاحسان من الرائي، وإن كان الميت رجلاًمجهولا لم يعرفه فإنه ظفر ونصرة على الأعادي.
نادرة روى أن بعض الخلفاء قال لمعبر إني رأيت جميع أسناني سقطت فقال جميع أقارب مولانا)
أمير المؤمنين يموتون فتغير من ذلك واستدعى بعابر غيره وقص عليه الرؤيا فقال له إن صدقت رؤيا مولاي أمير المؤمنين فإنه يكون أطول عمرا من أقاربه فأقبل عليه وأحسن إليه والمعنى واحد والعبارة متفاوتة.
قد يري الانسان شيئا من الأمور الحديثة فكيف يمكن تعبريها ؟
هذا السؤال مهم جدا ولة علاقة بسؤال سبق طرحة هو : هل يمكن تعليم التعبير ؟ أو هو توقيف وفراسة علي البعض ولا يمكن تعليمة ؟ ونحن من خلال تتبع النصوص وجدنا ان رسول الله صلي الله علية وسلم كان يعرض أحيانا الرؤيا علي الصحابة , ويسمع منهم التعبير , ويعلمهم أحيانا التعبير ولذا برع البعض منهم في هذا العلم واذا كان هذا ما توصلنا الية هنا هو الصحيح فيلزم منة أن نحاول معرفة تعبير ما لم يرد في كتب الأقدمين من الأمور الحديثة الناشئة في هذا العصر .
قال الأشعري : ان أصل التعبير بالتوقيف من قبل الأنبياء وعلي ألسنتهم , وتعقبة ابن بطال بقولة : وهو كما قال , لكن الوارد عن الأنبياء في ذلك وان كان اصلا لا يعم جميع المرائي .
فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظرة فيرد ما لم ينص علية الي حكم التمثيل , ويحكم لة بحكم النسبة الصحيحة فيجعل أصلا يلحق بة غيرة كما يفعل الفقية في فروع الفقة .
ومن الأمثلة علي الأمور التي قد تري وهي حديثة لا تجدها في كتب التعبير ولم يسبق لأحد ممن كتب في هذا الفن الكتابة عنها ما يلي .
هل قابلت ميتا , وهل دعاك لزيارتة ؟
ويوجد كثير من المفاهيم التي هي من المسلمات لدي البعض في مجال هذا العلم , وسأتحدث عن أمر من هذة الأمور , ومفزع الدلالة جدا ; وذلك هو رؤية الأموات , فالكثير من الناس حين يري الأموات , قد لا يتضايقون من مجرد رؤيتهم , والبعض يفرح حين يري الميت بحالة حسنة , وهذا جيد ونحن معة , ويوافق التبشير الذي اتبعناة في تعبير الرؤي والأحلام .
ولكن الرمز الذي يفزع أيما افزاع , ويكاد الكل أن يجمعوا علية ; هو رؤية أحد الأموات يناديك , أو يأخذك معة !! فهل هذا الأخذ معناة الموت ؟؟ البعض يقول : نعم , و للأسف تجد بعض المعبرين أو المعبرات قد ركب موجة التخويف هذة , فراح يطلب من أصحاب هذا النوع من الرؤي حسن العمل والاستعداد للرحيل , بل وجد البعض ممن سئل عن رؤي مشابهة فلم يعبرها , وسكت برهة , ثم قال لصاحبها : اتق الله وانتبة لاخرتك !! وترك صاحب الرؤيا في حالة لا يعلمها الا الله , فلا هو عبر لة علي الخير , ولا هو أمرك بالاحتراز منها بما ورد .
اتصل بي مرة من المرات موظف كبير في احدي الصحف الكبيرة جدا , وقال لي بأنة رأي في المنام أنة سأل رجلا في المنام عن موعد موتة , وسكت المسؤول ولم يتكلم , ويقول صاحب السؤال بأنة فسرت الرؤيا لة بقرب الأجل , وأنا هنا أقول : لماذا لا نحترز من الرؤي المفزعة ونسكت عنها , بعد أن نأتي بالاحترازات الواردة في السنة , ولنتذكر ما يترتب علي ذلك من قول النبي صلي الله علية وسلم : "فانها لا تضرة" .
اني هنا أحب أن أؤكد , بأنة لا دلالة قاطعة وواحدة للرؤي , وليعلم بأن الرؤيا لا تقاس , فمن قرأ تعبير رؤيا فسرت بقرب الأجل من الأولين مثلا ,وقدر لة أن يري نفس الرؤيا أو شبيهة لها ; فليس معناهما واحد , فظروف كل من الرؤيتين مختلفة , وليطمئن من رأي مثل هذة الرؤيا , فرأي ميتا ينادية أو يأخذ بيدة , أو يقول لة بأنة مشتاق لة مثلا , أنة لا يفهم منها الموت فقط , وأؤكد علي أمر أخير بألا تدع لبعض التفكير السوداوي منك ,أو من بعض المعبرين أن يقلب عليك حياتك , أو يدفعك للانعزال والحزن
فكل هذا من أفعال الشيطان الرجيم , وقد ثبت عن النبي صلي الله علية وسلم أنة قال : "لا يقل أحدكم : لو فعلت كذا كان كذا وكذا , وليقل : قدر الله وما شاء فعل , فان لو تفتح عمل الشيطان" , وعمل الشيطان هو الوسوسة والتحزين واليأس والقنوط .
وأهمس في أذن بعض الشيوخ أو العجائز مثلا ممن يعبر لأولادة أو تعبر لأولادها , أو من يعبر لأهلة مثلا أو جيرانة خاصة من خلال الممارسة وليس التعبير عن علم ,ألا يعمم التعبير , فيقيس دلالات بعض الرؤي علي بعضها البعض , فيكون عندهم دائما جواب جاهز لمن رأي ميتا ينادية أو يأخذ بيدة لمكان ما , وجوابة هو :
أحسن الله عزاك بنفسك !! الله يرحمك . . . ! أو يقولوا لأهلة : سيموت عن قريب !!
وأنا أقول : اتقوا الله أيها المعبرون !! ولا ترهبوا الناس , وأقول لمن رأي رؤيا من هذا النوع ليحترز ان خاف من رؤيتة , أو ليبحث عن محب لة ليعبرها لة , أو عالم أو ناصح ,فمن أجل هذا قال لنا النبي صلي الله علية وسلم :"لا تقص الرؤيا الا علي عالم أو ناصح" . وفي رواية : " أو علي واد. . . " .
هل تعبر الرؤيا بشكل واحد , أم تختلف حسب الزمان والمكان والهيئات ؟
مما ينبغي أن يفهمة المعبر وأن يعية جيدا ; أن الرموز قد تختلف حسب الزمان والمكان , ولذا فقد يعبر المعبر رؤيا في وقت أو مكان معينين بتعبير , ويعبر نفس الرؤيا بتعبير مختلف , بسبب اختلاف الزمان أو المكان , وهذا بالمناسبة يحصل كثيرا , وقد يعجب منة البعض من قليلي البضاعة في العلم .
كما أن صاحب الرؤيا ايضا لة دور في اختلاف التعبير ; حسنا أو سوء حسب صلاحة وعدالتة ونحو ذلك من أمور تتعلق بالرائي , ولعل مما يذكر هنا تأييد لما قلتة , قصة الطفيل حين خرج مع جيش المسلمين في قتال المرتدين في اليمامة , وكان معة ابنة عمرو بن الطفيل , قال الطفيل رضي الله عنة :
قال : وخرجت الي بعث مسيلمة ومعي ابني عمرو ، حَتَّى إذا كنت ببعض الطريق رأيت رؤيا ، رأيت كأن رأسي حلق ، وخرج من فمي طائر ، وكأن امرأة أدخلتني في فرجها ، وكأن ابني يطلبني طلبا حثيثا ، فحيل بيني وبينه ، فحدثت بِهَا قومي ، فقالوا : خيرا ، فقلت : أما أنا فقد أولتها ، أما حلق رأسي فقطعه ، وأما الطائر فروحي ، والمرأة الأرض أدفن فيها ، فقد روعت أن أقتل شهيدا ، وأما طلب ابني إياي ، فما أراه إلا سيعذر في طلب الشهادة ، ولا أراه يلحق في سفره هَذَا ، قَالَ : فقتل الطفيل يوم اليمامة ، وجرح ابنه ، ثم قتل يوم اليرموك شهيدا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنة .
قال ابن القيم في "زاد المعاد " بعد القصة (3627) :
واما تعبيرة حلق رأسة بوضعة ,فهذا لأن حلق الرأس وضع شعره على الأرض وهو لا يدل بمجرده على وضع رأسه، فإنه دال على خلاص من همٍّ أو مرض أو شدة لمن يليق به ذلك، وعلى فقر ونكد وزوال رياسة وجاه لمن لا يليق به ذلك، ولكن في منام الطفيل قرائن اقتضت أنه وضع رأسه، منها: أنه كان في الجهاد ومقاتلة العدو ذي الشوكة والبأس. ومنها: أنه دخل في بطن المرأة التي رآها وهي الأرض التي هي بمنزلة أمه، ورأى أنه قد دخل في الموضع الذي خرج منه، وهذا هو إعادته إلى الأرض، كما قال تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم} طه : 155، فأول المرأة بالأرض إذ كلاهما محل الوطء، وأول دخوله في فرجها بعوده إليها كما خلق منها، وأول الطائر الذي خرج من فيه بروحه، فإنها كالطائر المحبوس في البدن، فإذا خرجت منه كانت كالطائر الذي فارق حبسه فذهب حيث شاء؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ",
اخرجة أحمد والنسائي ومالك . ومعني يعلق : أي يأكل ويرعي.
فتأمل كلام ابن القيم هذا وتعلم أن تعبر و تقيس كل رؤيا حسب صاحبها والزمن الذي رئيت فيه، وتأمل مدارسة الصحابة بعضهم البعض في علم تعبير الرؤى، لتعلم أن هذا علم يمكن تعلمه وتعليمه ولو خالفنا في هذا الرأي من خالفنا، والله أعلم.
أولا يجب أن يعلم هنا أنه ليس صحيحا أن كل الرؤى تتحقق ، حتى ولو كان الرائي مؤمنا ، فقد لا تتحقق رؤيا المؤمن مباشرة ، وقد تتأخر ، وقد لا تتحقق مطلقا ، كذلك رؤيا المؤمن قد تكذب ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[ إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب ، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ، ورؤيا المسلم جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة ] متفق عليه واللفظ لمسلم .
ومن رأى ما يسره ، فالأفضل له أن يعرضها على من يعبرها له . وأما من رأى ما يفزعه ، أو يحزنه ، فلا يقصها على أحد ، وليعمل ما ورد من الاحترازات . وبعض الناس قد يقول لماذا لا ندع الرؤى أو الأحلام ليتكفل بها الزمن أو الوقت ، وهي وجهة نظر تحترم ، ودائما أقول : رأيي خطأ يحتمل الصواب ، ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ،ولكن على هؤلاء عدم لوم الذين يبحثون عن تعبير رؤاهم أو حتى أحلامهم ؛ فقد يكون فيها بشارة ، أو نذارة لصاحبها ، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول :الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره. وقد ينتفع الرائي بما يراه في نومه ، قال الإمام الذهبي في السيرٍٍٍٍ[1/81]ٍٍ في رؤيا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، أنه يدخل الجنة حبوا ، مع أنه من أهل الجنة ، وأحد العشرة المبشرين ، قال : إسناده حسن.فهو وغيره منام ، والمنام له تأويل ، وقد انتفع ابن عوف رضي الله عنه بما رأى، وبما بلغه ، حتى تصدق بأموال عظيمة أطلقت له ـ ولله الحمد ـ قدميه ، وصار من ورثة الفردوس فلا ضير . والله أعلم ،،