حكمة
إذا حلمت أنك تمتلك الحكمة فإن هذا يدل على أن روحك سوف تتحلى بالشجاعة في ظروف شاقة وسوف يكون في مقدورك أن تتغلب على هذه المشاق وترقى إلى حياة الازدهار.
إذا اعتقدت أنك تفتقر إلى الحكمة فإن هذا يتضمن أنك تبدد مواهبك الفطرية.
ما حكم نسبة الحلم إلى الشيطان؟ وما حكم من نسبه له مجازاً فقط؟
ورد كما مرَّ بنا أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (( الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان ))،
وقد وجدت الكثير من العلماء الثقات مَن ينسب له الحلم مجازاً من مثل المازري في شرح صحيح مسلم وابن حجر في فتح الباري وهو يتكلم عن الرؤيا الصالحة:
( فهو بالنسبة إلى ما لا دخول للشيطان فيه، وأما ما له فيه دخل فنسبته إليه نسبة مجازية).
قُلتُ: ولكن الصحيح أنَّ الأفعال تنسب إلى فاعلها؛ لأنه هو الذي ابتدأها وفعلها وتنسب إلى الله عزَّ وجلّ لأنه هو الذي قدّرها وخلقها كما
قال تعالى: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ }
أي فعلاً وابتداءً. وقال سبحانه: { كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله } أي خلقهاً وتقديراً.
ومن هذا أفعال الشيطان من الوسوسة والتسويل والإغراء والعقد على قافة الآدمية، كلها تنسب للشيطان حقيقة؛ إذْ هو المباشر لها وهذا وروده كثير في القرآن الكريم
قال تعالى: { الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } ،
وقال سبحانه:{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ }
وقال كذلك { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّصِحِينَ }
وقال تعالى { وَإِنِّي جَارُُ لَكُمْ }
وكذلك مما يدلّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
(( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم....)) مسلم شرح النووي ( 6/65 )
وقوله صلى الله عليه وسلم:
(( الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)) متفق عليه.
وهذا وأمثاله حقيقة نسبتها إلى الشيطان نسبة حقيقية؛ لأنه الفاعل المباشر لها، وإن كانت كلها بتقدير الله عزَّ وجلّ وخلقه وإرادته سبحانه وتعالى.
إذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحلم من الشيطان))، يجب أن يقال هي على ظاهرها والحلم يكون من نوع إغوائه وتخويفه لبني آدم.
قال القاضي وغيره:
( هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان مجاري دمه).
هل يجوز اليوم إثبات حكم شرعي من خلال الرؤى والأحلام، كمن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم يأمره، أو ينهاه بشيء ما ؟
جوابنا على هذا السؤال ابتداءً، أن الرؤى والأحلام لا تُفسر من الإنسان نفسه، فقد لا تكون دلالتها على ظاهرها.
ثم أقول: الآن لا يجوز إثبات حكم شرعي خلاف الشريعة وما يُعمل فيها ؛ لأن حالة النوم ليست بحالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الراوي - وهو هنا هذا الحالم - ، وقد اتفق علماء الجرح والتعديل ، وعلماء الرواية على أن من شروط القبول للرواية من الشخص : أن يكون ضابطا ، حافظا ، والنائم ليس بهذه الصفة .
لكن لو رأى أحدٌ رؤيا ، وفيها الأمر بعمل سنة من السنن أو النهي عن مكروه ، أو محرم ، وقد يكون رأى الرسول صلى الله عليه وسلم يأمره بما ذكرت آنفا ، فهل يجوز العمل بوفقها ؟
والجواب نعم يجوز العمل، ولو قلتم: ما السبب ؟
أقول السبب: أن ذلك ليس حُكما من الرؤيا فقط ! بل بِما هو موجود في أصل الشريعة .
وقد قرر الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى:
أن شرط العمل بمُقتضى الرؤيا ، أنْ لا تخرم حكما شرعيا ، وأن تكون مُوافقة لظاهر الشريعة ، وأما ما جاء من الرؤى ، وفيه مخالفة للشريعة ، أو لقاعدة من قواعد الشريعة ، فهو : إما خيال ، أو توهم ، وإما أن يكون حلما من الشيطان ، وهذا لا يصح اعتباره ، لمعارضته لما هو ثابت مشروع .
وقال البغوي في شرح السنة[ 12/211]:
ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحا ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل يأتيك به ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها.
ما حكم الكذب في الأحلام في مجالي الشعر , والتمثيل ؟
الكذب كبيرة من كبائر الذنوب , وهو : الاخبار عن الشئ خلاف ما هو علية وعكسة الصدق وهو : مطابقة الخير للواقع
والصدق من أعظم خصال الخير , وهو من مكارم الأخلاق التي جاء الشرع بتأكيدها والأمر بها . فهو خلق رفيع يتمثلة الأفاضل من الناس , ويجتنبة الأراذل منهم , ولذلك كان وصفا ملازما للأنبياء عليهم وعلي نبينا الصلاة والسلام , وضدة ما كان ملازما للمنافقين وأشباههم وهو الكذب كما قلنا , وقد جاءت نصوص الشريعة متضافرة بالعدوة للصدق والتحذير من الكذب , ومن ذلك ما يلي :
قال الله تعالي : "يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين (119) , وعن ابن مسعود رضي الله عنة عن النبي صلي الله علية والة وسلم أنة قال : "ان الصدق بر , وان البر يهدي الي الجنة , وان العبد ليتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقا , وان الكذب فجور , وان الفجور يهدي الي النار , وان العبد ليتحري الكذب حتي يكتب كذابا" . رواة البخاري (5743) , ومسلم (2607).
.
وقد رخص الشارع في أمور يجوز فيها الكذب، فروت أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " يا أيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراش في النار، الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال : رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة، ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما ". رواه الترمذي برقم ( 1939 ) .والحديث : حسنه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 7723 ) .
وعن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً . رواه البخاري ( 2546 ) ، ومسلم ( 2605 ) .
والكذب لا يجوز في جد ولا هزل بل كله خلق مذموم، وليس هناك كذب سائغ ككذبة أبريل مثلا، إلا كما قلنا مما استثني، أو دعت إليه ضرورة كما نص عليه في الحديث، و كالكذب لإنقاذ معصوم الدم من قاتل، أو لتحصين مال من غاصب، ونحو ذلك .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : (لا يصلح الكذب في هزل ولا جد) .(رواه البخاري في كتاب الأدب المفرد برقم 387)، ويعظم الكذب إذا ترتب عليه ضرر أو فساد، ويعتبر اعتياد الكذب من كبائر الذنوب.
والكذب في الشعر وإن أساغه البعض من النقاد، فلست معهم؛ والقصائد الخالدة..هي خالدة لصدق مشاعرها وصدق أحاسيسها، وصدق تعابيرها، ولكن لا أجد مسوغا لمن يكذب في الشعر ويدخل ضمن كذبه حلما رآه.
وأما التمثيل فغير ما فيه من مساوئ ومفاسد كثيرة جدا، فيزداد حرمة إن استخدم للسخرية، أو حصل فيه عري واختلاط، أو كذب، ويتأكد جرم الكذب هذا حين تحبك قصة لإنسان، يحلم وهو يكذب، و يستعمل فقط هذا لزيادة الحبكة الفنية كما يثار أو يقال، أو كما يحتج به من النقاد.
والخلاصة أن الكذب في الشعر، أو في التمثيل، مما لا يجوز ولا يحسن فعله من المؤمن أو من المسلم، وعلى الشاعر والممثل أن يبحث عن النصوص الجائزة، وفي هذا براءة له ولذمته، من أن ينشر بين الناس محرما، فيكون مفسدا ومشيعا للفساد، وتأمل أخي لكثير من الشعراء أو الممثلين، ممن اختط لنفسه خطا نزيها، فلم يقدم ما قد يندم عليه غدا، وحاول أن تتشبه به في مجالك، فهناك شعر جيد وجميل، وهناك تمثيل هادف وصادق.
فإن رأى قاضياً معروفاً يجور في حكمه، فإنّ أهل ذلك الموضع يبخسون في موازينهم وينقصون مكاييلهم. فإن تقدم رجل إلى القاضي فأنصفه، فإنّ صاحب الرؤيا ينتصف من خصم له. وإن كان مهموماً فرج عنه وإن جار القاضي في حكمه، فإنّه إن كانت بينه وبين إنسان خصومة، فلا ينتصف منه.
جاء الوعيد الشديد لمن كذب في منامه، وعقد البخاري في صحيحه
باب: مَن كذب في حلْمِه، وساق فيه حديثين:
الأول: حديث ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم
قال: (( مَن تَحَلَّم بحلم لم يَرَه كُلَّف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومَن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يَفرُّون منه صُبَّ في أُذُنه الآنكُ يوم القيامة، ومَن صَّور صورةً عُذِّب وكُلِّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ))
رواه أحمد والنسائي من رواية قتادة رضي الله عنه
وجاء في رواية أخرى عن أبي هريرة: (( من كذب في رؤياه)).
والثاني: حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (( مِن أفرَى الفِرى أن يُريَ عينُهُ ما لم ترَ ))، وفي رواية: (( ما لم يريا ))
ومعنى: أفرى الفرى أي أعظم الكذبات، والفِرَى جمع فرية وهي الكذبة العظيمة.
ومعنى: مَن تَحَلَّم أي مَن تكلّف الحُلْم هذا.
وتلاحظ من الحديثين شدة عذاب الكاذب في المنام؛ وسبب ذلك يوضحه لنا الإمام الطبري،
قال: إنما اشتد فيه الوعيد، مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه؛
إذْ قد تكون شهادةً في قتل أو حدّ أو أخذ مال؛
لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراهُ ما لم يَرَهْ، والكذب على الله أشدّ من الكذب على المخلوقين
لقوله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [ هود: 18 ]
وإنما كان الكذب في المنام كذباً على الله لحديث: (( الرؤيا جزء من النبوة))،
وما كان من أجزاء النبوة فهو من قِبل الله،
وأعود لكلمة: (الانك)؛ والانك هو الرصاص المذاب، يصب في أذنه لأن الجزاء من جنس العمل،
وهنا لا حظ أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث
قال: ((من تحلَم بحلم )) وسماه حلماً ولم يسمِه رؤيا لأنه ادعى أنه رأى ولم ير شيئاً فكان كاذبا والكذب إنما هو من الشيطان،
والرسول صلى الله عليه وسلم قال مر بنا: (( الحلم من الشيطان ))،
وما كان من الشيطان فهو غير حق.
وهنا لا حظ تشابه عقوبة المصور وهي: (( فليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة...)) الحديث،
وعقوبة الذي يكذب في الحلم وهي: [ أن يعقد بين شعيرتين ]
ومعنى العقد بين الشعيرتين: أن يفتل إحداهما بالأخرى، وهذا عادة مستحيل،
والتشابه هنا بين المصور والكاذب في منامه :
أن الرؤيا خلق من خلق الله وهي صورة معنوية فأدخل بكذبه صورة لم تقع، كما أدخل المصوِر في الوجود صورة ليست بحقيقة، لأن الصورة الحقيقية هي التي فيها الروح،
فكلف صاحب الصورة اللطيفة - وهو الحالم - أمرا لطيفا وهو الاتصال المعبر عنه بالعقد بين الشعيرتين،
وكلف صاحب الصورة الكثيفة - وهو المصوِر - أمرا شديدا وهو أن يتم ما خلقه بزعمه بنفخ الروح،
ووقع وعيد كل منهما بانه يعذب حتى يفعل ما كلف به وهو ليس بفاعل ، فهو كناية عن تعذيب كل منهما على الدوام، إلاَ أن يرحمهما الله ، وهذا التشديد على الكاذب في حلمه لأنه كذب على جنس النبوة، والمُصوِّر نازع الخالق في قدرته