هي في المنام دنيا الرجل، فمَن رأى أن له داراً جديدة مطينة كاملة المرافق، فإنه إن كان فقيراً استغنى، وإن كان مهموما فرج عنه، وإن كان عاملاً نال دولة بقدر حسن الدار، وإن كان في معصية تاب، وإن سعة الدار سعة دنياه، وعلمه وسخاؤه. وضيقها بخله، وجدتها تجديد عمله، وتطيينها دينه، وأحكامها تدبيره، وبيوتها نساؤه. والدار من حديد عمر طويل لصاحبها. فإن دخل داراً مجهولة ورأى فيها أمواتا فإنها الدار الآخرة، فإن رأى أنه دخلها، ولم يقدر على الخروج فإنه يموت، فإن كانت الدار مطينة فذلك حسن حاله في الآخرة. فإن كانت من جص وآجر دلّ ذلك على سوء حالة فيها. فإن دخلها وخرج منها فهو إشرافه بالمرض على الموت ثم ينجو. والدار إذا انفردت ورأى فيها الأموات فإنه يموت جميع مَن فيها. فإن خرج من داره غاضباً فإنه يحبس. فإن رأى أن رجلاً دخل داره فإنه يدخل في سره. وإن كان فاسقاً فإنه يخونه في امرأته أو معيشته. والدار بالنسبة للإمام العادل ثغر من ثغور المسلمين. فمن رأى أن داره انهدمت، فإن كانت دار الإمام العادل فتلك ثلمة في بعض ثغور المسلمين. وبناء الدار في موضع مجهول أو معروف امرأة إن كان عازباً. ومن رأى داراً من بعيد فإنها دنيا بعيدة ينالها، فإن دخلها وهي مبنية من طين، ولم تكن منفردة عن الدور فإنها دنيا يصيبها حلالاً. فإن كانت من جص فهي دنيا حرام، وخروجه من هذه الأبنية فهو خروجه من دنياه أو مما يملك. فإن رأى أنه دخل داراً حديثة وكان غنياً فيزداد غنى، وإن كان فقيراً استغنى إذا كان صاحبها أو ساكنها متمكناً من الدار. ومن رأى أنه في دار عتيقة له، فانهدمت عليه فإنه يرث ميراثاً من ذي قرابة. وقيل: مَن بنى داراً مات بعض أقاربه أو أحد أولاده. ومن باع داره طلق زوجته. فإن رأى لنفسه داراً حسنة كانت عمله الصالح، وإن كانت ضيقة قبيحة البناء دلّت على الأعمال السيئة. وربما دلّت الدار على المداراة، وربما دلّت على التقلب مع دوران الدهر. وتدل دار الرجل على جسمه ونفسه وذاته لأنها تعرَف به ويُعرَف بها، وهي مجده وذكوه وستره أهله. وربّما دلّت على ماله الذي به قوامه. وربما دلّت على ثوبه لدخوله فيه، فإذا كانت جسمه كان بابها وجهه، وإذا كانت زوجته كان بابها فرجه. ومن رأى أنه يكنس داره أصابه غم أو مال فجأة. وقيل: إن كنس الدار زوال الغم. وقيل: إن هدم الدار موت صاحبها. ومَن رأى أنه يهدم داراً جديدة أصابه هم وشرّ. ومَن بنى داراً أو ابتاعها أصاب خيراً كثيرا. ومَن رأى أن فناء داره أو سطحها قد أتسع فوق قدرها المعروف فإن ذلك سعة في دنياه وحظ في عيشه. وإن رأى المريض أنه خرج من داره وهو صامت لا يتكلّم دلّ ذلك على موته.
عز وجل في منامه
أخبرنا أبو القاسم، الحسين بن هارون، بعكا، قال: حدثنا أبو يعقوب أسحق بن إبراهيم الأوزاعي، قال: أخبرني عبد الرحمن بن واصل أبو زرعة الحاضري، قال: حدثنا أبو عبد الله التستري، قال: رأيت في منامي كأنّ القيامة قد قامت، وقمت من قبري، فأتيت بدابة فركبتها، ثم عرج بي إلى الْسماء، فإذا فيها جنة، وأردت أن أنزل، فقيل لي ليس هذا مكانك، فعرج بي إلى سماء، في كل سماء منها جنة، حتى صرت إلى أعلى عليين، فنزلت، ثم أردت أن أقعد، فقيِل لي: تقعد قبل أن ترى ربك عزّ وجلّ؟ قلت: لا، فقمت فساروا بي، فإذا بالله تبارك وتعالى، قدامه آدم عليه السلام، فلما رآني آدم أجلسني يمينه جلسة المستغيث، قلت يا رب أفلجت على الشّيخ بعفوك، فسمعت الله تعالى يقول: قم يا آدم، قد عفونا عنك.
أخبرنا بوعلي الحسن بن محمد الزبيري، قال حدثنا محمد بن المسيب، قال حدثنا عبد الله بن حنيف، قال حدثني ابن أخت بشر بن الحرث، قال: جاء رجل إلي فقال أنت بشر بنِ الحرث؟ قلت: نعم، قالت رأيت الرب عز وجلّ في المنام وهو يقول: ائت بشراَ فقل له لو سجدت لي على الجمر، ما أديت شكري لما قد بينت اسمك في الناس.
أخبرنا أحمد بن أبي عمران الصوفي بمكة حرسها الله تعالى، قال أخبرني أبو بكر الطرسوسي، قال: قال عثمان الأحول، تلميذ الخراز، بات عندي أبو سعيد، فلما مضى ثلث الليل، صاح بي يا عثمان، قم أسرج، فقمت فأسرجت. فقال لي: ويحك رأيت الساعة كأني في الآخرة، والقيامة قد قامت فنوديت فأوقفت بين يدي ربي، وأنا أرعد، لم يبق على شعرة إلا قد ماتت، فقال أنت الذي تشير إلي في السماع إلى سلمى وبثينة، لولا أعلم أنّك صادق في ذلك، لعذبتك عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين.
وإن رأى أنه في بيت جديد فإنه يدل على الاستغناء، وإن كانت من فضة فإنه يتوب من الذنوب لقوله تعالى " لمن يكفر بالرحمن لبيوته سقفا من فضة " ، وإن كان غنيا يزداد ماله.
رأى أنه بسط له بساط جديد واسع فإنه ينال في دنياه عمرا طويلا وسعة في الرزق لقوله تعالى الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وإن كان ثخينا في مكان مجهول أو عند قوم مجهولين فإنه يتغرب من بلده وقومه وينال في الغربة عزا وجاها.
ومن رأى أنّه اغتسل ولبس ثياباً جدداً، فإن كان معزولاً عن ولاية ردت إليه.
إن كان فقيراً أثرى وغني، وإن كان مسجوِناً خلي سبيله، وإن كان مريضاً عوفي، وإن كان تاجراً قد كسدت تجارته، أو صانعاَ قد تعذرت عليه صنعته، استقام أمرهما وتجدد لهما أمر في أتم دولة، وإن كان مصروراً حج، وإن كان مهموماً فرج الله همه، وإن كان مديوناً قضى الله دينه، لأنّ أيوب حين اغتسل لبس ثياباً جدداً، وهب الله له أهله ومثلهم معهم، وذهب همه وصح جسمه.
س: هل ما يراه النأس في منامهم من صور و رموز عند تشابهها تكون ذات تعبير واحد ؟
ج : هذا السؤال يرد كثيرا , فهل ما يراه الإنسان في نومه له تعبير واحد لا يتغير, بمعنى أن قن رأى مثلا الشمس والقمر فيكونان رمز أبويه , أمة وأبيه , قياسأ على رؤية يوسف , ومن رأى بقرة فتدل على السنة كما عبرها يوسف , وهكذا. . والجواب: لا, فالرؤى يتنوع تعبيرها من شخص إلى اخر, ومن وقيت الى اخر فالرسول صلي الله علية وسلم عبر رؤياه حين رأى البقر التي تنحر, بقتل أصحابه يوم أحد ، رضي الله عنهم ، ويوسف عليه الصلاة والسلام عبر البقر السمان بالسنوات الخصبة التي يكثر فيها الرزق ، والبقر العجاف ، بالسنوات القحط التي يقل فيها الرزق والمطر.
والمرجع في هذا إلى المعبر للرؤيا، وتأملة في ألفاظها ، وتأملة في حال صاحبها وزمان الرؤيا ، وكل هذا يستخلص منه المعبر التعبير، فالشمس مثلا لها أوجه متعددة من حيث التعبير والمرجع في هذا الى المعبر. قيل لأحد المعبرين : رايت الشمس والقمر دخلا جوفي ، فقال تموت ، واحتج بقوله تعالى:
وقال حابس بن سعد الطائي وقد ولاة عمر القضاء , يا أمير المؤمنين:
اني رايت الشمس والقمر يقتتلان ، والنجوم بينهما نصفين.
فقال عمر: مع أيهما كنت ؟ قال : مع القمر على الشمس.
قال عمر: كنت مع الأية المحمودة ، اذهب فلست تعمل لي عملا، ولا تقتل الأ في لبس من الأمر. . فكان كما قال عمر رضي الله عنه ، فقتل يوم صفين`1`)، ويوسف حين رأى رؤياه عبر الشمس والقمربأبويه.
فالشمس والقمر لو تأملت ، لم ترد بمعنى واحد في هذه الرؤى ، ولذا يظهر لك خطأ منتشر بين الناس - وبخاصة -العامة منهم ، فعندما يرون الموتى مثلا يظنون أنه كناية عن قرب الأجل ، أو مؤشر على رسالة أو وصية لم تنفذ ، وعندما يبكي في المنام يقولون: هو فرح ، وهذا غير صحيح كما ظهر لنا من خلال الأدلة السابقة.
لا يؤثم الانسان العادي اذا لم ينفذ ما جاء في منامة فهذا الأمر خاص بالرسل لقولة تعالي : " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " الصافات 102
والفرق أن منامات الأنبياء كلها صدق وحق ووحي من الله ، وأما البشر فقد يكون ما رأوه رؤى صادقة أو أحلاما من الشيطان أو أضغاث أحلام ، وللأسف فقد انزلق بعض الجهال في هذا المزلق وعملوا أمورا دليلهم عليها حلما شاهدوه والله المستعان
فمن رأى أنه لبس قميصا جديدا صحيحا واسعا فإن ذلك يؤول بالخير وحصول المقصود والغرض فيما ذكر، وإن رأى بخلاف ذلك فتعبيره ضده، وربما كان القميص الخرق الدنس تفرق شمل صاحبه وتكاثر همومه ومفارقة امرأته.