هل براعتي في تفسير رؤي وأحلام أهلي تجعل مني معبرا ؟
يوجد من الناس رجلا كان أو امرأة من يقرأ في علم تفسير الرؤى والأحلام ، ويتطور حبه لهذا العلم لمحاولة تفسيره لأحلامه ، وقد يتطور هذا للتفسير لمن حوله ، بخاصة للقريبين جدا منه ، وقد ينجح في تفسير بعضها أو كثير منها ، حسب براعته وملكته وثقافته.
قد تنجح البنت حين تسمع من أمها عدة رؤى وفيها من الرموز رمز المطر يتكرر، وهذا على سبيل المثال لا الحصر أن تتعرف على الصواب في تحديد معناه في رؤية أمها بخاصة ، وهذا ممكن ، لكن سؤالي هو : هل ستنجح حين تجلس أمام كثير من النساء وقد لا تكون تعرفهن في معرفة معنى الرمز نفسه وتوقعه على معناه المناسب لكل من يسألها ؟
قد ينجح أحدهم بتعبير رؤية زميله مرة من المرات من خلال القياس مثلا على تعبير رؤية عبرها أحد البارعين بهذا الفن ، ولكنه لن يستطيع أن يعبر رؤى مشابهة لغير صديقه هذا ؛ للاختلاف بين صديقه وغيره من السائلين، وهذا يشبه لحد كبير من يعطي ابنه دواء لتسكين الحرارة ، ولكنه غير قادر بل وقد يعد جانيا عليه إن صرف له دواء آخر في حالة مرضية أخرى ، فالمسألة هذه خطيرة جدا ، فالرؤى لا تقاس بعضها على بعض في التعبير وهنا الصعوبة ؛ ولذا فليس المقياس في براعة فلان أو فلانة ، نجاحه في التفسير لأهله وذويه فحسب ، بل المعيار أوسع وأشمل من هذا ، ولذا قلت ما قلت سابقا ؛ من أراد أن يكون معبرا ناجحا فلا بد له من التمرس وهذا يكون بتعبير الرؤى لعينات كثيرة ودون معرفة عميقة بهم، وإيقاع الرؤيا على المعنى الصحيح المراد، بتفصيلها على مقاس صاحبها .
إن نجاح الإنسان في تعبير رؤى زملائه، ونجاح الإنسان في تعبير رؤى أهله ليس كافيا لإطلاق لقب [ معبر ] عليه، وما يطرح بين فترة وأخرى حول هذا الموضوع من قصص للبعض في نجاحهم بتعبير رؤى أو أحلام الأهل أو الأصدقاء يندرج تحت هذا الباب ، فأرجو الانتباه لهذا الفرق
يدل الزواج في المنام على العناية من اللّه تعالى. وربما دلّ الزواج على الأسر والدين والهم والغم. فإن تزوج الإنسان امرأة مجهولة دلّ ذلك على قرب الأجل، والرحلة من دار إلى دار، وإن كان صالحاً للإمارة تولى، أو نال منصباً يليق به. وإن كان بزفاف حسب العادة فهو منصب أو صيت حسن. والزواج يُعبّر بالحرفة، فمن رأى أنه تزوج امرأة ثمّ ماتت، فإنه يعمل في حرفة لا ينال منها إلا العمل والعناء والهم. ومن رأى أنَه تزوج بأمرأة يهودية فإنَه يسعى في حرفة ينال منها إثما واجتراء على المعاصي. ومن رأى أنّه تزوج بامرأة نصرانية فإنّه يسعى في حرفة فيها باطل. وإن كانت مجوسية فهي حرفة بلا دين. ومن تزوج بزانية فهو زان. ومن تزوج بزوجة سليطة فإنّه يقيد بقيد ثقيل. ومن تزوج بكلبة فإنه يملك أمراً دنيئاً. ومن رأى إنساناً تزوج بامرأة ونقلها إليه ينال مالا. ومن رأى زوجته تزوجت برجل بزوجة السلطان نال ملكاً إن كان أهلاً لذلك، وإلاّ تولى ولاية. ومن تزوج بامرأة ميتة ظفر بأمر ميت قد يئس منه. وإذا تزوجت المرأة المريضة ولمن تعاين الزوج ولم تعرفه فإنّها تموت، وكذلك الرجل المريض إذا تزوج في منامه ولم يعاين المرأة ولم يعرفها فإنّه يموت. ومن زوج أمه فإنّه يبيع عقاره: وإذا رأت المرأة الحامل أنها تزوجت فإنّها تضع جارية، وإذا جليت كالعروس فإنّها تضع غلاما. وإذا رأت امرأة وكان لها ابن أنها تزوجت فإنّها تزوج ابنها. وإن تزوجت المرأة العازبة أو المتزوجة في المنام فإنها تنال خيرا. وإذا تزوجت المرأة برجل ميت تشتت شملها وافتقرت. ومن رأى أنّه تزوج امرأة وله زوجة أو زوجات أصاب خيار وسلطانا بقدر جمال المرأة وهيئتها إذا عاينها وعرفها، فإن هو لم يعرفها وكانت تجهز له فإن ذلك دليل على موته، أو موت إنسان على يديه. ومن رأى أنّه تزوج ابنة شيخ مجهول فإنّه يصيب خيرا كثيرا. وإن رأى امرأة أنها تزوجت شيخاً مجهولا فإنّها تصيب خيرا كثيرا. وإن كانت مريضة شفيت من مرضها. ومن رأى أنه تزوج امرأة ميتة من محارمه فإنها يصل رحمها، وإن كانت حيّة قطع رحمها. ومن رأى أنه تزوج ذات محرم فإنه يسود أهله. والزوجة في المنام شريك أو عدو أو سلطان جائر أو خصم لدود أو ملك، وكل ما دلّت الأرض عليه من راحة أو تعب، أو خير أو شر فانسب للزوجة مثله لدلالته عليها.
ما رأيك بالذين يلحون عليك بتفسير بعض الأحلام المفزعة ؟
أعاملهم بما علمته من السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم تعبير مثل هذه الأحلام والاحتراز عنها بما ورد.
وحقيقة أحزن من عدم فهم الكثير لوجهة النظر هذه ،ولكني أود أن يعلمون أن الخير لهم يكون في عدم تعبيرها ، ولا يبحثون لمن يعبرها لهم ، فقد يعبرها بشكل متعجل ، ومفزع ، وحينها قد تقع بإذن الله ، وحينها قد لا ينفع الندم.
هل هناك تفسير لبعض حالات توارد الخواطر التي تكون أحياناً بين بعض التوائم، أو الأقرباء، وهل لهذا علاقة بالأحلام؟
نعم هذه الظاهرة موجودة ومثال ذلك. قد يكون هناك أخوان أو صديقان، فيخبر أحدهما بشيء وقع عند الآخر سواء كان مفرحاً أو محزناً مثلا، ومن ثم يكتشف صدق هذا الخاطر الذي ورد لمخيّلة صاحبه، وهذا في رأيي له واحد من تفسيرين:
1_ أن هذا ما يسمى بالإلهام وقد تحدثت عنه وذكرت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان من الملهمين وقصته مع سارية مشهورة، وقلت أن هذا من خصائص الأنبياء والأولياء.
2_ أن هذا الخاطر قد يكون وارداً لصاحبه حال النوم؛ حين تلتقي الأرواح، فقد تتلاقى روح أخ بأخيه، وصفيّ بصفّيه، وحبيب بحبيبه، وخليل بخليله، وغائب بعائلته، فيحصل مقابلة بين هذه الأرواح، ويحصل تلاقي،
ومن ثم قد يحصل إخبارٌ منها للبعض، ومن ثم وبعد استيقاظها تخبر هذه النفوس أو الذين رأوا الرؤى بما جرى، وقد يكون ما جرى مغيباً عنها كأن يكون خارج حدود المكان كأخبار غائب أو مسافر أو خارج حدود الزمان كأن يكون هذا المُخْبر ميتاً وهي ظاهرة لا تدعو للاستغراب،
ويوجد العديد من الأمثلة التي نرى فيها تواصلاً بين جهتين مع البعد بينهما ومثال ذلك إحساس الأم المرضعة بحاجة ولدها أو ابنتها للرضاعة مع كونها أحياناً بعيدة عنها وهذا من خلال بعض العلامات التي تعرفها النساء المرضعات من إدرار حليبهنّ وألم في أثدائهن قبيل وقت الإرضاع وهذا من الأمثلة الحية المشاهدة .
هل يؤدي البحث عن تفسير الأحلام لما يسمي بالقلق التوقعي ، ومن ثم يؤدي بصاحبة للأوهام، والتطير والتفكير التشاؤمي؟
هذه وجهة نظر، وأسمعها كثيراً من بعض من يمتهن الطب النفسي،
والحقيقة أن هذا الكلام قد يصدق لدى فئة من المرضى، وهم قلة بيد أن الكثير ممن تتكرر لديهم الرؤى قد يكون معناها مؤشراً على بشارة أو خبر سعيد، وقد تنذر الأحلام المتكررة عن ذنب وقع به صاحب الحلم، ومن ثم يكون تعبير هذا الحلم سبباً في إقلاع صاحب هذا الحلم عن ذنب وقد يكون من الكبائر.
وخلاصة القول: إن هذه الفرضية لدى بعض المعالجين النفسانيين لا تصدق على الكل ولا يجب تعميمها لكل من تكرر عنده رؤى أو أحلام .
قد يكون هذا الافتراض السبب في معاداة فئة كبيرة منهم لتعبير الرؤى
ولكن يجب التفريق هنا بين الرؤى والحُلم وأضغاث الأحلام، وينطبق كثير من كلام الأطباء النفسيين على ما يسمى بأضغاث الأحلام وهي غير الرؤيا التي هي من الله وغير الحلم الذي هو من الشيطان،
فليعلم ذلك.
وختاما : أَلْفِتُ هنا إلى أنَّ جوانب الرؤيا ليست منفصلة لا علاقة بينها، بل هي مترابطة بمعنى أنَّ المعبّر لا يجب أن يغفل واحداً منها، فرؤية التمر وأكله مثلاً لا تكون محمودة إلاَّ إذا عضدها الجانب اللغوي والزمني، ورؤية النار لا تكون مذمومة دائماً إذا كانت شتاءً عضدها الجانب الاشتقاقي في الرؤيا،
ويمكن لنا القول إنَّ الشكل التالي يوضّح لنا جوانب الرؤيا متداخلة:
وهذه الدائرة تدور في ذهن المعبّر حال سماعه للرؤيا، وفي وقت يسير جداً؛ يحاول أن يربط الرؤيا بواحد من الجوانب للوصول بسلام إلى شاطئ النجاة وهو تعبيرها، ولذلك سمّي التأويل تعبيراً،
هنا أقدّم بعض التوجيهات لمَن أراد التعبير:
1_ التسلح بسلاح العلم الشرعي من القرآن الكريم والسنّة النبوية واللغة العربية ومرادفاتها وألفاظها، ومعرفة زمن الرؤيا، والتحرّي عن صاحبها.
2_ مراعاة الآداب الشرعية عند التعبير، والاقتداء بخير الخلق عليه الصلاة والسلام.
3_ عدم إفزاع الناس وإرهابهم بما يتوصل له _ ظناً _ من الرؤى.
4_ عدم الجزم بالتعبير من المعبرين أو الحلف على التعبير فتعبير الرؤى مرجعه الظن كما يتبين لنا.
5_ عدم الإكثار من هذا النوع من العلم في كل جلسة أو محاضرة؛ لأنَّ هذا يُفضي للتساهل في التعبير بعدم مراعاة الضوابط التي ذكرتها في جوانب تعبير الرؤيا، كما أنَّ مَن أكثر في فنّ احترق فيه، وهذا معلوم.
6_ ألاَّ يقول المعبّر عن نفسه أنه ممن يعبّر فراسةً أو إلهاماً ما في هذا من تزكية النفس، وقد أُمرنا بألاَّ نُزكي أنفسنا.
7_ أن يحاول المعبّر_ ما استطاع _ أن يصرف الرؤى إلى الخير، فإن لم يجد لذلك سبيلاً فعليه عدم تعبيرها والاحتراز منها.
8_ عدم الركون على الأحلام والأوهام، فما كثرة اشتغال الناس بهذا العلم في هذا العصر، وكثرة الداخلين فيه، والمستفسرين عنه إلاّ ويدلّ دلالة واحدة وإن كانت محزنة أننا أصبحنا أمة أحلام، تهرب من واقعها المرير، والمحزن، للأحلام، ومن ثم بناء القصور، وتحقيق الانتصارات، والصلاة في القدس وهزيمة الجيوش، والسيادة على الأمم لا بالعمل بل بالحلم وهذا واقعنا المرّ ولا بدّ من الاعتراف به أولاً لكي نصححه ونعالجه ومن ثم نتخلص من هذا الوهن والخور.
9_ على المعبّر أن يحافظ على أسرار الناس السائلين له عن رؤاهم ولا يبوح بها مفاخراً أو متهكماُ.
نعم لا بدّ أن نلحق بركب الدُّول المتقدمة في العلم والقوة والاقتصاد حقيقةً لا حلماً،
ألا هل بلَّغت اللَّهم فاشهد.
أتى رجل إلى عابر فقال إني خطبت امرأة فرأيتها سوداء قصيرة فقال له إذهب فتزوجها فإن سوادها مالها وقصرها قلة حياتها فتزوجها فلم يلبت إلا قليلا حتى ماتت وورث منها مالا كثيرا
ومعنى هذه الآية، أنَّ الله يُنهي حياة العباد بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم
( وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا )
أي وقت النوم يحبسها عن التصرف كأنها شيء مقبوض فالتي حكم عليها بالموت حال النوم يقبضها حال النوم، ويرسل الأخرى التي لم يحكم عليها بالموت فيعيش صاحبها إلى نهاية أجله.
قال ابن عباس وغيره من المفسرين: إنَّ أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فتتعارف ما شاء الله منها فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح إلى أجسادها.
( أبو بكر الجزائري _ص1124)
فالموت الحقيقي يسمى الوفاة الكبرى، ووفاة النوم تسمى وفاة صغرى، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من نومه
يقول: (( الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ))، فسمى النوم موتاً.
وشاهد هذا من السنة أعني مسك الروح ما أخرجه الشيخان من حديث الدعاء قبل النوم،
قال صلى الله عليه وسلم:
(( إذا أوى أحدُكُم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خَلَفَهُ عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)).
والشاهد في إمساك الروح في المنام وإرسالها، ولأن الشيء بالشيء يذكر،
كان واحدٌ ممن اشْتُهر بالطاعة والصلاة والصيام والصدقة
دائماً ما يشكو عدم رؤياه لأبيه المتوفى، مع كثرة اشتهاره برؤية الموتى وأحوالهم، وكثيراً ما سُئِلَ من القريبين منه عن موتاهم، وكان يعجب من عدم رؤيته لأبيه،
وذاتَ مرًّة لقيته فرحاً مستبشراً مسروراً، وقل ما شئت من الصفات الحسنة عن حالته، وقبل أن أسأله عن سرِّ سروره، بادرني وكأنما كشف عن سؤالي بقوله، رأيت أبي البارحة، رأيت أبي البارحة، وقص عليّ رؤياه،
فقلت له: خيراً رأيت وشراً كُفيتَ إن شاء الله، الحمد لله هذه رؤيا خير لك، وقد نفع الله بك والدك فرفعه الله إلى منزلتك، هكذا نحسبك والله حسيبك ولا نزكي على الله أحداً،
( وقد اتفق أهل السنة أنَّ الأموات ينتفعون من سعي الأحياء، بدعائهم واستغفارهم لهم والصدقة والصوم وقراءة القرآن وغيرها من الأعمال، وقد فُصّل هذا الكلام في شرح العقيدة الطحاوي للعلاّمة ابن أبي العز الحنفي ص115 وما بعدها)
فبكى كثيراً وحمد الله واستغفر، وقد ثبت أنَّ أرواح الأموات متفاوتة في مستقرّها في البرزخ أعظم تفاوت،
فمنها: أرواح في أعلى علّيين كأرواح الأنبياء،
ومنها: أرواح في حواصل طير خضر كبعض الشهداء، ومنهم مَن يكون محبوساً على باب الجنة، ومنهم مَن يكون محبوساً في قبره، ومنهم مَن يكون مقرُّ باب الجنة، ومنهم من يكون محبوساً في الأرض
ولو رأت امرأة لها زوج أنّها تزوجت بآخر، أصابت خيراً وفضلاً. ولو رأى الرجل المتزوج أنّه تزوج بأخرى، أصاب سلطاناً. ولو تزوج بعشر كان ذلك له صالحاً. كل ذلك إذا عاين امرأته أو سميت لْه أو عرفها. وكذلك المرأة إذا تزوجت برجل مجهول ولم تعاينه ولا عرفته ولا سمي لها، فإنّها تموت.
هل تفيد كتب تفسير الأحلام الموجودة لتفسير الرؤيا لصاحبها؟
هي تفيد المُعبّر في المقام الأول، حيث يستطيع بما وهبه الله من معرفه بأصول هذا الفن من استخراج التعبير المناسب لحالة الرائي، وأضرب هنا
مثالاً:
فالطبيب لو دخل إلى صيدلية مليئة بأنواع الأدوية فإنه يستطيع أخذ الدواء المناسب لحالة مريضه، لكن لو دخل المريض لهذه الصيدلية فقد يأخذ دواء لا يصلح لحالته، وقد يأخذ دواء يُسبب زيادة في حالة مرضية عنده.
ومثله المهندس الذي يستطيع أن يأخذ أدواته المناسبة وقد يصنع بها بيتاً، وقد يُصلح بها آلةً، وهكذا،
في حين أن هذه الأدوات عند صاحبها مثلاً ولا يستطيع أن يصنع منها شيئاً ذا فائدة.
وقفة: لا تساوم على أسرار السائلين:
هذه الوقفة المهمة موجهة للمعبرين الذين اءْتمنهم الناس على أسرارهم ووضعوا فيهم كامل ثقتهم، وقد يكون في رؤاهم أسرارٌ ومواضيع خاصة ولا يرغبون في كشفها، فالواجب كتمُ أسرارهم، وعدمُ إفشائها فالمستشار مؤتمن،
ولا يخفى أنَّ بعض الرؤى يلزم منها كشفُ بعض الأمور الخاصة للرائي، وقد يُخبر بعضُ السائلين ببعض أسرارهم ويكون فيها مثلاً مرضٌ نفسي، أو خطبةُ بنت، أو قطيعة رحم، أو مشكلةٌ خاصة بأحد الأبناء أو مشكلةٌ مع الوالدين، أو مشكلةٌ مع دَيْن، أو مع جهة حكومية...،
وهكذا القائمة تطول،
فالله الله في هؤلاء اكتموا عليهم أسرارهم، ومهما سُؤلتم عن هذه الرؤى فلا يخبروا بها أبداً،
ونصيحة لكل معبر: لا تساوم على أسرار السائلين.
هذة المسألة من المسائل التي حصل فيها خطأ كبير; فأكثر الناس يشاهد أن الكثير ينسب أشهر الكتب في الأحلام للامام محمد بن سيرين , بينما الصحيح أن هذا الكلام غير صحيح .
لكن من أين أتي هذا الكتاب اذا ؟ وما الصحيح في هذة المسالة ؟
فاقول : لا يصح نسبة اي كتاب في تفسير الرؤيا , مثل : " تعبير الرؤيا " , أو "منتخب الكلام في تفسير الأحلام" , أو غيرهما لة , وقد ثبت أن ابن سيرين قال : لو كنت متخذا كتابا لا تخذت رسائل النبي صلي الله علية وسلم .يعني أنة لم يتخذ كتابا أصلا .
ودليل اخر : أن الكتاب المنسوب لة فية كثير من المنقولات عمن هو بعد الامام محمد بن سيرين المتوفي سنة : 110 ة , مثل : أبو سعيد الواعظ وغيرة , وجميع من ترجم لابن سيرين من المتقدمين لم يذكر أنة ألف , لا في التعبير ,ولا في غيرة , بل قالوا أنة قد ورد عنة في ذلك أمورا منها من يروون عنة بالاسناد , كما فعل الامام البخاري في الصحيح .
وممن نسبة لة بالخطأ : ابن النديم في "الفهرست"ص439 , والخلال في "طبقات المعبرين" , وابن شاهين في الاشارات ص 24 , ولكنهم لم يذكروا علي صحة نسبة الكتاب لة دليلا صحيحا , وقد تتساءلون هنا : لمن الكتاب المشهور نسبتة لابن سيرين اذا ؟
أقول : هو كما قالة أكثر من واحد من المحققين لأبي سعيد الواعظ ,وممن قال بهذا العالم مشهور بن حسن في كتابة "كتب حذر منها العلماء" ج 2 , ص 275 الي 284 .
النوع الثاني من أنواع الرؤى
ما يكون من حديث النفس , وأعمال اليقظة , وقد يساعد عليها
الانشغال النفسي، والإرهاق البدني , والإجهاد الفكري.
ومثال هذا كثير وقوعه بخاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه الشواغل وطغت فيه المادة أحيانأ , وضغوط الحياة أحيانأ أخرى فنجد البعض قبل نومه يفكر بصفقاته التجارية والبعض يفكر بوظيفته الجديدة , والبعض بامتحانه في الصباح الباكر, ولا أنسى النساء اللاتي يكثر عندهن هذا النوع ايضأ فتجد بعضهن قبل نومها تفكر بمشكلتها مع زوجها مثلأ , وهكذا كل واحد من هؤلاء ينام ثم لا يلبث أن تتحول هذه الخواطر والهموم أو الامال والالام في داخل كل واحد منهم إلى منامات أو رؤى وهذا وارد جدا, ثم يتبع هذا سؤال الكثير منهم عن هذه الرؤى , والتي كما أسلفت لا تتعدى كونها أضغاث أحلام.
والاضغاث في اللغة , المفرد منه : الضغث وهو كل ما جمع وقبض عليه بجمع الكف ونحوه وفي التنزيل : " وخذ بيدك ضغثا فأضرب بة ولا تحنث " ويقال: أتانا بأضغاث من اخبار, أي بضروب مختلطة منها.
وأضغاث الأحلام : ما كان منها ملتبسا مضطربأ يصعب تأويله , وسميت أضغاثا لاختلاطها فشبهت بأضغاث النبات وهي : الحزمة مما يأخذ الانسان من الأرض فيها الصغير والكبير الأخضر واليابس وهكذا (1).
ويمكن من خلال العرض السابق أن تلاحظ أن هذه الأضغاث ليست منضبطة بل هي مختلطة ملتبسة , وهذه كما يرى بعض العلماء تأتي للرائي بأحد سببين (بدني) أو (نفسي) فاما أن يكون المرء في وضع صحي بدني منحرف, أو في مزاج نفسي مضطرب , فينعكس ذلك على الانسان ورؤاه فتختل وتضطرب وتكون أضغاثأ وتنقسم الى قسمين :
القسم الأول: اضغاث أحلام خاصة ; أي خاصة بصاحبها فقط وهذه تكثر لدى بعض الفئات في أوقات معينة كالمرضى وكالطلبة والطالبات , قبيل الامتحان أو قبيل مقابلة شخصية لدى احدى المؤسسات التربوية كالجامعات
مثلأ وكالمقبلين على الزواج والموظفين المقبلين على ترقية , وهكذا, وهولاء من خلال سؤالهم من قبل المعبر الحاذق يسهل اكتشاف نوع رؤاهم وأنها لا تعدو أضغاث الأحلام . قال سيد قطب في ظلال القران: واضغاث الأحلام هي الأخلاط من الأحلام المضطربة وليست رؤيا كاملة تحتمل التأويل , فهي لا تشير الى شيء.أ.ة بتصرف يسير,(2) ومثالها الصحابي الذي رأى رأسه مقطوعا , وكمن يرى الملائكة تأمره بفعل المحرمات. . . وغيرها من الأمثلة(3).
القسم الثاني: أضغاث أحلام عامة , وأقصد بالعامة هنا ما تكون ذات دلالة لعموم الأمة كأن يكون فيها - في ظن صاحبها - بشارة عامة , أو انذار عام أو حدث عام , كأخبار السياسة , والميزانية، والرواتب , والاجازات, والحروب لا سيما اذا كانت هذه الأحداث آو واحد منها قد طغى واستأثر بالجو العام , فتجد الرؤى تكثر عن هذا , انظر مثلآ الرؤى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر, وكثرتها إبان الحملة الأمريكية على أفغانستان ولاحظ قوة الاعلام المسيطر والمسير لهذه الحملة، واسأل نفسك: هل تأثيره على البشر قوي شديد أم يسير؟ لقد سيطرت هذه الأحداث على الساحة فلا صوت يعلو على صوتها فاصبح سلطانها نافذأ على العقول , فاذا ما استسلمت للنوم تحولت لرؤى قد يظن صاحبها أنها بشارة آو خبر مفرح , خاص به أو عام للأمة , ولا يخفي اليوم على كل ذي لب غلبة الهوى والجهل والتعصب لراي أوفئة وقلة الورع والدين والتقوى في الكثير من الناس , ثم ان مثل من يرى هذه الرؤى يبحث عمن يعبرها له , وقد يستبق الحدث فيرسلها قبل السؤال عنها ببريده الأ لكتروني أو بجواله , فتصبح حديث الساعة , وفاكهة المجالس بوقت وجيز!
وأنا هنا لست ضد فئة أو جماعة بعينها، ولكني ضد الجهل، نعم الجهل الذي قد يسير جماعة أو طائفة أو حتئ فردأ بدعوى الرؤى, وفتنة الحرم وما بث من بعض المقابلات والاعترافات لبعض المتورطين بها , يؤيد ما ذكرته وأنهم كانوا تحت سلطان الأوهام والاحلام , وهذا ينطبق على بعض الصوفية الذين ما فتؤا يستدلون برؤى جاءهم فيها رسول الله وأمرهم فيها ونهاهم أو استحسن عملأ لهم , وهكذا جعلوها في درجة الوحي الذي فقده الصحابة بموت رسول الله , ووجده هؤلاء, قال ابن حجر في(4) : النائم لو رأى النبي صلي الله علية وسلم يأمره بشيء, هل يجب عليه امتثاله ولا بد: أو لا بد أن يعرضه على الشرع الظاهر , فالثاني هو المعتمد. وشتان بين الثري والثريا, نعم. الرؤى منها ما يكون مبشرات لفرد أو جماعة , أو حتى أمة , ولكن هذا مشروط بشرطين :
الأول: وجود مرجع موثوق تعرض عليه هذه الرؤئ كما عرض
مجموعة من الصحابة رؤاهم حول ليلة القدر على رسول الله , فقال :"أرى رؤياكم تواطأت في السبع الأواخر, فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " , متفق عليه(5 ), وقد عنون البخاري في صحيحه ( باب: التواطؤ على الرؤيا ) , وقال الحافظ ابن حجر تعليقا على الحديث السابق: ويستفاد من الحديث أن توافق جماعة على رؤيا واحدة دال على صدقها وصحتها , كما تستفاد قوة الخبر من التوارد على الآخبار من جماعة ا.ة . (6)
والثاني : هو عدالة الرائي وصدقه وعدم كونه ذا هوي , أو ذا هدف , أو متهور, عاش قضية أو اقتنع بفكرة , فسيطرت على تفكيره , فتمثلت له رؤي في منامه , وهنا أفرق بين الرؤى قبل الحدث , والرؤى حاله أو بعده , ولا يخفى أنها في حال الحدث أو بعده أو أوهي وأضعف منها قبله ء كما لا يخفى على كل مهتم بهذا الفن , فلا عبرة برؤيا ذي هوى , كما لا عبرة بتعبير زي هوي كذلك , فأين المرجع الذي يقر الرؤى كرسول الله ؟ وآين من
يماثل صحبه الكرام الأطهار؟
_________________________________________
( 1 ) (المعجم الوسيط 540 مادة : ضغث ( مجموعة من المؤلفين نشر دار الدعوة 1980 - القاهرة.
( 2 ) سيد قطب - مرجع سابق - ( 4 / 1993 ), ومحمد قطب - مرجع سابق - ص 6 .
( 3 ) ابن حجر الفتح 35412 , مرجع سابق.
( 4 ) انظر فتح الباري - مرجع سابق - ( 12 / 389 ) .
( 5 ) رواه البخاري كما في الفتح ( 4 / 256 ) في كتاب صلاة التراويح باب التماس ليلة القدر - مرجع سابق - - ومسلم كما في النووي ( 8 / 58 ) في كتاب الصيام باب فضل ليلة الغدر والحث على طلبها - مرجع سابق .
( 6 ) انظر ابن حجر - مرجع سابق - ( 12 /380 )