فإن رأى القمر غاب، فإن الأمر الذي هو طالبه من خيرِ أو شر قد انقضى وفات.
فإن رآه طلع، فإن الأمر في أوله. ومن رأى القمر تاماً منيراً في موضعه من السماء، فإن وزير الملك ينفع أهل ذلك المكان. ومن نظر إلى القمر فرأى مثال وجهه فيه، فإنه يموت. ومن رأى كأنه تعلق بالقمر، نال من السلطان خيراً. ومن رأى كأن القمر أظلم والرائي ملك، فإن رعيته يؤذونه وينكرون أمره. ومن رأى القمر صار شمساً، فإن الرائي يصيب خيراً وعزاً ومالاً من قبل أمه أو امرأته. ومن رأى القمر موافقه وهو موافق القمر، فإنه يدل على المسافرين والملاح والمنجم لرطوبته وحركته، ولأن المنجم يعرف ما يحتاج إليه القمر.
وحكي أن ابن عباس رضي الله عنه، رأى في المنام كأن قمراً ارتفع من الأرض إلى السماء بأشطان، فقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذاك ابن عمك، يعني نفسه عليه أفضل الصلاة وأزكى التحيات.
وحكي أن امرأة جاءت إلى ابن سيرين وهو يتغذى، فقالت: رأيت كأن القمر دخل الثريا ومنادياً ينادي أن ائتي ابن سيرين فقصي عليه رؤياك. فقبض يده عن الطعام وقال لها: ويلك كيف رأيت؟ فأعادت عليه فأربد لونه وقام وهو آخذ ببطنه، فقالت أخته مالك؟ فقال زعمت هذه أني ميت إلى سبعة أيام فمات في السابع.
ورأى رجل كأنه نظر إلى السماء وتأمل القمر فلم يره، ونظر إلى الأرض فرأى القمر قد تلاشى. فقص رؤياه على معبر فقال: إن كان صاحب هذه الرؤيا رجلاً فإنه صاحب كيمياء وذهب، فيذهب ماله، وإن كان فقيراً فيسقط في الثرى.
وإن رأت ذلك امرأة، قتل زوجها. وأتى ابن سيرين رجل فقال: رأيت كأن القمر في دارنا. قال: السلطان ينزل بمصركم.
واحتجاب القمر بالحجاب يجري في ذلك مجرى الشمس.
الهلال: يدل أيضاً على الملك والأسير والقائد والمقدم والمولود البارز من الرحم المستهل بالصراخ وعلى الخبر الطارىء، والفتح القادم من الناحية التي طلع منها، وعلى الثائر والخارجي إذا طلع من غير مكانه، أو كانت معه ظلمة، أومطر بالدم أو ميازيب تسيل من غير مطر. وعلى قدوم الغائب، وعلى صعود المؤذن فوق المنار، ؟؟نقص 262 من الكتاب رجاله، وإن كان عروسة فالنجوم نساؤها. فمن رأى قمرين يتقاتلان في السماء مع كل واحد منهما نجوم، كان ذلك اختلافاً أو حرباً بين ملكين أو وزيرين أو رجلين عظيمين، والغائب منهما مغلوب، يستدل عليه بناحيته في الأفق ومكانه في السماء، فيضاف إلى ملك ذلك الملك في الأرض. وكذلك إذا رأى كوكبين يقتتلان ومعهما نجوم تتبع كل واحد منهما. وإن لم يكن معهما نجوم، ورأى ذلك في خاصيته أو بيته وكان له زوجتان أو شريكان، كان الاختلاف بينهما باللسان أو باليد. وإن رأت ذلك امرأة أو عبد، أو رآهما يقاتلان على رأسه أو سقطا، كذلك يتقاتل عليهما الزوج أو السيد مع أخيه أو مع رجل شريف من جنسه. وقد يدل ذلك في العبد على خصام يقع بين بائعه ومشتريه، وقد يدل في المرأة على شر يدور بين ولديها أو بين بنتيها أو بين والدها وزوجها، أو بين زوجها وابنها
من رأى أنه أوحى إليه أو إلى غيره بأمر على لسان ملك معروف الهيئة لا يشك فيه فإنه يعبر على ستة أوجه: يأولها ما يخبر به حق لقول النبي صلى الله عليه وسلم الدال معناه على ذلك، والثاني تفويض أمر إليه أو وصول خبر من السلطان على لسان واسطة ثم يعتبر الخبر ويعبر على ما يظهر مما قيل للرائي، والثالث علو شأن وارتفاع مكان وعز وإقبال، والرابع زيادة في العلم وصلاح في الدين وسياسة في الأمور، والخامس ربما يكون مضى من عمر الرائي أربعون سنة إذا كان مما يعبر عنه، والسادس قيل إنه كرامة من الله تعالى وعصمة.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: " من رأى أنه يشرب لبناً فهو الفطرة " . قال الأستاذ أبو سعد: رؤية اللبن في الثديين للرجال والنساء مال، ودر اللبن منها سعة المال فإن رأت امرأة لا لبن لها في اليقظة، أنها ترضع صبياً أو رجلاً أو امرأة معروفين،فإن أبواب الدنيا تنغلق عليها وعليهم. وقال بعضهم من رأى كأنّه ارتضع امرأة، نال مالاً وربحاً. ومن رأى كأنّه شرب لبن فرس أو رمكة أحبه السلطان ونال منه خيراً.وألبان الأنعام مال حلال من السلطان.
وأما المخاط: فمن رأى كأنّه امتخط. فإنّه يقضي دينه، أو ينجو من هم، أو أيجازي قوماً بشيء فعلوه. وقيل إنّ المخاط دليل الولد، بدليل أَنّ الهرة تولدت من مخاط الأسد. ومن رأى كأنِّه امتخط على الأرض، ولدت له ابنة. فإن رأى كأنّه امتخط على امرأته، فإنّها تحبل وتسقط ابناً. وإن رأى امرأته امتخطت عليه، فإنّها تلد ابناً أو تفطمٍ ولداً صغيراً، ومن امتخط في دار رجل، نكح امرأة من تلك الدار حلالاً أو حراماً. فإن امتخط في فراش رجل، فإنّه يخون امرأته، فإن امتخط في منديله، خانه في خادمته، فإن رأى كأنّه امتخط، فأخذت امرأة مخاطه، فإنّها تخدعه وتحمل منه. وإن رأى كأنّه يغسل مخاط غيره فإنّ رجلاً يخدع امرأته، وهو يجتهد في ستره، ولا يستر. فإن رأى كأنِّه أكل مخاط نفسه، فإنّه يأكل مال ولده. وإن أكل مخاط غيره، أكل مال ولد غيره. فإن رأى كأنّ في أنفه مخاطاً، دلت رؤياه على حبل امرأته. وإن رأى كأنّه عطس فخرج من أنفه حيوان، ينسب إليه ولد غيره. فإن كان الخارج سنوِراً، فهو ولد لص. وإن كان حمامة فابنة محبوبة. فإن رأى مخاطه يسيل، أصاب أولاداً شبهه، ومن رأى إنساناً مخط في ثوبه، ياصله بمصاهرة.
وأما القدح فإنه يؤول بالمرأة فمن رأى أنه أعطى قدحا وبه ماء يشرب وشرب منه فإنه يتزوج امرأة أو يشتري جارية ويحصل له منها ولد صالح يستريح به وإن كان فيه نبيذ وشرب منه فإنه يدل على حصول ولد مفسد سيء الفعال لا يستريح منه.
وأما العنْق: فموضع الأمانة، وزيادتها زيادة في الدين وأداء الأمانة، ونقصانها نقصان في أداء الأمانة: فإن رأى كأنّ فى عنقه حيه مطوقة، فإنّه لا يزكي ماله، لقوله تعالى: " سَيُطًوّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ " . فإن رأى كأنّ ودجيه انفجرا دماً، فإنّه يموت. فإن رأى الإمام في عنقه غلظاً، فهو قوته في عدله، وقهره لأعدائه، والغلظ في القفا قوة علىِ ما قلّده الله، وحسن القفا يدل على الفرار والهرب. وشعر القفا يدل على أنّ له مالاً وعليه مال. وحلق القفا أداء الأمانة وقضاء الدين. فإن رأى كأنّ لا شعر عليه، دل على إفلاسه. ورأى رجل كأنّ عنقه لا بطويل ولا بقصير، فقص رؤياه على معبر، فقالط: إن كنت سيئ الخلق حسن خلقك، وإن كنت شجاعاً ازدادت شجاعتك، وإن كنت رديء الطبع كرمت.
قال دانيال: رؤيا المطر تؤول بالخير والرحمة من الله تعالى إذا كان عاماً لقوله تعالى " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته " فإن نزل المطر في وقته تحبه الناس ويكون مرضياً، وإن نزل في غير وقته لا تحبه الناس ويكون مذموما، وإذا كان المطر خاصا مثل أن ينزل على دار أو محلة فهو داء ومرض أو بلاء ومحنة، وإن نزل المطر هنيئا يكون خيرا أو منفعة.
والدهان يؤول على أوجه فمن رأى أنه يدهن حائطا أو سقفا أو شيئا من متاع الدنيا فإنه يكون مغرورا بها ويكتسب بالحيلة ويكون فاسدا في دينه ويشغل الناس بالباطل ويترك الدين والهدى خصوصا إن كان تماثيل لقوله تعالى ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.)
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن حماد، عن أبي سعيد إسماعيل بن إبراهيم، قال: سمعت أبا إسحاق الخواص بالشام يقول: كان رجل يخدم داود الطائي ويكنى بأبي عبد الله. فقال له: إن مت فاغسلني ولا تخبر بي أحداً. قال فلما أن مات رأيته في المنام على نجيب في هودج له أربعة آلاف باب، بستور مرخاة، والريح تخفق، فقلت يا داود ادع الله أن يلحقني بك. فقال: احفظ عني ثلاثاً: داوِ قروح بطنك بالجوع، واقطع مفاوز الدنيا بالأحزان، وآثر حب الله تعالى على هواك ولا تبال متى تلقى.
ومن رأى ادريس يحسن أمره ويكون عاقبته محموده وقيل من رأى ادريس يدل على اجتهاد في العبادة وان يكون فيها بصيرا فإن ادريس كان أعدل أهل زمانه وأعرفهم بالحكمة.
والصبية في المنام: خصب وفرج، ويسر بعد عسر ينمو ويزيد. والوصيفة، خير محدث فيه ثناء حسن وخيرِ مرجو. ومن رأى كأنّه اشترى غلاماً، أصابه هم. ومن اشترى جارية، أصاب خيراً. وإن رأى العبد غير البالغ كأنه قد أدرك الحلم فإنّه يعتق. فإن رأى كأنّه أدرك وطرح عليه رداء أبيض، فإنّه يتزوج امرأة حرة. وإن رأى كأنّه طرح عليه رداء أسود، فإنّه يتزوج مولاة. ومن رأى كأنّه طرح عليه رداء أرجواني، تزوج بامرأة شريفة الحسب. فإن رأى مثل هذه الرؤيا شاب دلت رؤياه على أنّ ابنه يبلغ. وإن رآها شيخ، دلت رؤِياه على موته. وإن رآها مرتكب لمعصية خفية، فإنّه يفتضح. ومن رأى أنّه أصاب ولداً بالغاً، فهو له عز وقوة، وأمه أولى به في أحكام التأويل من أبيه، وإذا رأت امرأة ذكراً أمرد، فهو خيرِ يأتيها على قدر حسنه أو قبحه. وقيل: من كان له ابن صغير، ورأى أنه قد صار رجلاً، دل على موته. وقيل: من كان من الصبيان قد أدرك ولحق بالرجال، فإنّه يدل على تقوية ومساعدة. ومن الناس من يرى أنّه ولد له غلام وكانت امرأته حبلى، فإنّها تلد جارية. ويرى أنّها ولدت جارية، فتلد غلاماً، وربما اختلفت الطبيعة في ذلك، فيرى أنّه ولد له غلام، فهو غلام، أو يرى أنّه ولد له جارية فهي جارية، فسل عن ذلك الطبائع، فإنّه تخبرك. وقيل الوصيف خير.
وحكي أنّ امرأة بمكة تقرأ القرآن، رأت كأنّ حول الكعبة وصائف بأيديهن الريحان وعليهن معصفرات، وكأنّها قالت سبحان الله هذا حول الكعبة؟ قيل لها: أما علمت أنّ عبد العزيز بن أبي داود تزوج الليلة. فانتبهت، فإذا عبد العزيز بن أبي داود قد مات.
ومن رأى يوسف فإنه يحصل له من جهة أقاربه بهتان وفي عاقبته يصل إلى مرتبة السلطنة ويعلو قدره ويبلغ مراده، وقيل من رأى يوسف ربما يحصل له هم من قبل امرأة وعاقبته إلى خير وربما دلت رؤيته على بشرى.
من رأى أنه خرج مع القوم إلى موسم من المواسم فإنه خروج من هم وغم وإن كانوا في حرب وكرب كشف الله عنهم ذلك، وقيل خلاص من أسر أو سجن أو قيل فرح وسرور، وربما دل على راحة وأمن الخاطر وقيل رؤيا الموسم تعبر على ستة أوجه عرس وطهور ووليمة وغزو وأمر مشهور وسفر.
** رؤياه صلى الله عليه وسلم
أنه يطوف بالبيت الحرام ..
ومن الرؤيا الظاهرة أيضا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي البيت هو وأصحابه ويطوفون به وكان ذلك قبل عمرة الحديبية
فلما صدهم المشركون عن دخول مكة عام الحديبية وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يرجعوا عامهم ذلك وأن يعتمروا
في العام القابل قال عمر -رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال:
(بلى فأخبرتك أنا نأتيه العام) .
قال: قلت: لا قال: (فإنك اتيه ومطوف به)
وقد وقع تصديق رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء حيث جاء هو وأصحابه إلى البيت وطافوا به وهم امنون لايخافون
وقد ذكر الله هذه الرؤيا الصادقة في قوله تعالى (لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله فتحا قريبا)
وهذا الفتح هو الصلح الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش
قال الزهري قوله: (فجعل من دون ذلك فتحا مبينا)
يعني صلح الحديبية وما فتح في الإسلام فتح كان أعظم منه .
والرجل: قوام الرجل وماله ومعيشته التي عليها اعتماده، وربما كانت الساق عمر صاحبها. فإن رأى أنّ ساقه من حديد، طال عمره وبقي ماله. وإن رأى أنّ ساقه من قوارير، لم يلبث أن يموت ويذهب ماله، وقوامه، لأنّ القوارير لا بقاء لها. فإن رأى. رجله قطعت، ذهب نصف ماله. فإن قطعتا جميعاً ذهب ماله وقواه، أو مات كل ما بانت منه. وقيل الرجلان الأبوان، والمشي حافياً يدل على التعب والمشقة، وقيلِ من رأى له أرجلاً كثيرة، فإن كان مسافراً سهل عليه سفره، ونال خيراً. وإن كان فقيراً نال ثروة، وإن كان غنياً مرض. ورؤية الرجلين مخضوبتين منقوشتين، للرجل موت الأهل، والمرأة موت بعلها. ومن رأى كأنّه رفع ساقاً ومد ساقاً فالتفت إحدى ساقيه بالأخرى، فإنّه قرب أجله، ويلقاه أمر صعب. ويدل على أنّ صاحب الرؤيا كذاب. ورؤية الرجل ساق امرأة دليل على التزوج. وكشف المرأة عن ساقها حسن دينها وإصابتها أمراً خيراً مما كانت فيه.
ومن رأى سبيلاً طلع عليه، أصابه الإِدبار إلى آخر عمره. ومن طلعت عليه الزهرة، ناله الإِقبال وكذلك المشتري. ومن ركب كوكباً أصاب سلطاناً وولاية ومنفعة ورياسة.
وقال بعضهم: من رأى أن الكواكب ذهبت من السماء، ذهب ماله إن كان غنياً، وإن كان فقيراً مات. فإن من رأى بيده كواكب صغاراً فإنه ينال ذكراً أو سلطاناً بين الناس. ومنِ رأى كوكباً على فراشه، فإنه يصير مذكوراً، فإنه يفوق نظراءه، أو يخدم رجلاً شريفاَ. ومن رأى الكواكب اجتمعت فأضاءت، دل على أنه ينال خيراً من جهة السفر. فإن كان مسافراً، فإنه يرجع إلى أهله مسروراً.
وقال بعضهم: من رأى الكواكب تحت سقف، فهو دليل رديء، وتدل على خراب بيت صاحبها، وتدل على موت رب البيت. ومن رأى أنه يأكل النجوم، فإنه يستأكل الناس ويأخذ أموالهم. ومن ابتلعها من غير أكل، تداخله أشراف الناس في أمره وسره، وربما سب الصحابة رضي الله عنهم. ومن امتص الكواكب، فإنه يتعلم من العلماء علماً.
وأما الخمسة السيارة، فزحل: صاحب عذاب الملك. والمشتري: صاحب مال الملك. والمريخ: صاحب حرب الملك. والزهرة: امرأة الملك. وعطارد: كاتب الملك، وسهيل: رجل عشار، وكذلك كان مسخ. والشعري: تعبد من دون الله سبحانه وتعالى، وتأويلها أمر باطل. وبنات نعش: رجل عالم شريف، لأنّها من النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر. ومن رأى الكواكب تناثرت من السماء، فهو موت الملوك أو حرب يهلك فيه جماعة من الجنود. ومن رأى كأن الفلك يدور به أو يتحرك، فإنّه يسافر ويتحرك من منزل إلى منزل ويتغير حاله. ومن تحول نجماً من النجوم التي يهتدى بها، فإنّ الناس يحتاجون إليه في أمورهم وإلى تدبيره ورأيه.
من رأى أنّ إمام المسلمين ولاه أمره: حاضرة عقده، فهو يصيب شرفاً وذكراً عاجلاً في الدنيا والدين. فإن ولاه من أقاصي ثغور المسلمين نائباً عنه، فهو كذلك شرف وعز وسلطان فيه تأخير وبطء بقدر بعد ذلك الموضع عن الأمان. ومن رأى أنّه دخل دار الإمام واستقر فيها واطمأن، فهو يداخله في خواص أمره فإن رأى أنِّ الإمام أعطاه شيئاً، فهو يصيب فخراً ورفعة وسلطاناً بقدر ما تنسب تلك العطية إليه في التأويل وجوهره. فإن رأى أنّه يخاصم الإمام أو سلطاناً دونه بكلام حكمة وبر، فهو يظفر بحاجة لديه.
فإن رأى أنّه يختلف إلى باب الإمام: أو باب نائب من نوابه، فإنَّ أعداءه لا يقدرون على مضرة له. فإن رأى أنّه في لحاف مع الإمام في فراشه ليس بينهما سترة، فهو فرج من سلبه إليه ويصير ماله وما يملك في العاقبة للإمام تركة منه في حياته أو مماته.
فإن رأى أنّ الإمام مريض: فهو مرض الدين له ولرعيته لمكانه. فإن مات فهو فساد في الدين. ودخول الإمام العدل مكاناً تزول البركة والعدل فيه. فإن كان إماماً جائراً، فهو فساد ومصائب. وإن كان معتاداً للدخول إلى ذلك، فلا يضره. ومن أكل مع الإمام العدل على مائدته، فإنّه يصيب شرفاً وخيراً في دينه ودنياه بقدر ما نال من الطعام وكذلك الملك والسلطان مثل الإمام.
وقال ابن سيرين رؤيا الرياحين والمشمومات جملة إذا كانت مقتطفة فيحتاج إلى اعتبارها إذا كانت قليلة فإنه سريع، وإن كانت تمكث فهو هم بطيء، وأما المنثور فهو على ثلاثة أوجه أما رؤيا الأصفر منه فيدل على تغير اللون، وأما الأحمر والأصفر فلا بأس برؤيتهما، وأما البان فإنه يدل على الثناء الحسن.
عن مخزوم بن هاني المخزومي عن أبيه-وأتت عليه مائة وخمسون سنة-قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ارتجس إيوان كسري وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام,وغاضت بحيرة ساوة,ورأي الموبذان
إبلا صعابا تقود خيلا عرابا وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها,فلما أصبح كسري أفزعه ما رأي فصبر تشجعا,ثم رأي أن لا يكتم
ذلك عن وزرائه ومرازبته فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم إليه فلما اجتمعوا إليه أخبرهم بالذي بعث إليهم فيه ودعاهم,فبينما هم
كذلك إذ ورد عليه كتاب بخمود النار فازداد عما إلى غمه,فقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك,قد رأيت في هذه الليلة-وقص عليه الرؤيا
في الأبل-فقال: أي شئ يكون هذا ياموبذانوكان اعلمهم عند نفسه بذلك-فقال: حادث يكون من عند العرب,فكتب عند ذلك:
من كسري ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر,أما بعد فوجه إلى رجلا عالما بما أربد أن اسأله عنه,فوجه إليه عبد المسيح بن عمرو
بن حيان بن بقيلة الغساني فلما قدم عليه قال له: أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه؟قال: ليخبرني الملك فإن كان عندي منه علم
وإلا أخبرته بمن يعلمه له.
فأخبره بما رأي, فقال: علم ذلك عن خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح,قال: فأته فاسأله عما سألتك عنه وأتني بجوابه,
فركب عبد المسيح راحلته حتى قدم على سطيح وقد أشرف على الموت فسلم عليه وحياه فلم يحر سطيح جوايا فأنشأ عبد المسيح يقول
أصم أم يسمع غطريف اليمن
وذكر سبعة أبيات من الشعر .
فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه وقال: عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح وقد أوفى على الضريح بعثك ملك بني ساسان لارتجاس
الأيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان رأي إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها يا عبدالمسيح إذا كثرت التلاوة
وبعث صاحب الهراوة وفاض وادي السهاوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس فليست الشام لسطيح شاما يملك منهم ملوك وملكات
على عدد الشرفات وكل ما هو ات ات ثم قضى سطيح مكانه فقام عبد المسيح إلى رحلة وهو يقول-وذكر له سبعة أبيات من الشعر
فلما قدم عبد المسيح على كسري أخبرة بقول سطيح فقال إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا كانت أمور وأمور فملك منهم عشرة في
أربع سنين والباقون إلى خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-
ومن الرؤيا التي وقعت ما أمر به عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم من حفر زمزم بعدما اندرس موضعها وعفى أثرها
قال ابن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي أنه سمع على بن أبي طالب
-رضى الله عنه- يحدث حديث زمزم حين أمر عبد المطلب بحفرها فقال عبد المطلب إني لنائم في الحجر إذ أتاني ات فقال:
احفر طيبة قال: قلت وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجائني فقال: احفر برة,
قال: فقلت: وما برة,قال: ثم ذهب عني .
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر المضنونة,قال: فقلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني.
فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر زمزم,قال:قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف أبدا ولا تذم,تسقى الحجيج
الأعظم,وهي بين الفرث والدم,عند نقرة الغراب الأعصم,عند قرية النمل.
قال ابن إسحاق: فلما بين له شانها ودل على موضعها وعرف أنه قد صدق غدا بمعولة ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له
يومئذ ولد غيره فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبير فعرفت قريش أنه قدر أدرك حاجته فقاموا إليه فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئر
أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقا فأشر كنا معك فيها,قال: ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم,
فقالوا له فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها,قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه,قالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم ؟
قال: نعم,قال: وكانت بأشراف الشام فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من قريش نفر
قال: والأرض إذ ذاك مفاوز,قال:فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المقاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه فظمئوا
حتى أيقنوا بالهلكة فاستقوا من معهم من قبائل قريش فأبوا عليهم وقالوا: إنا بمفازة ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم,فلما
رأي عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك فمرنا بما شئت,
قال: فإني أري أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه لما بكم الأن من القوة فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه حتى يكون
أخركم رجلا واحدا,فضيعة رجل واحد أسير من ضيعة ركب جميعا.
قالوا: نعم ما أمرت به.
فقام كل واحد منهم فحفر حفرته ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشا.
ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا فكذا للموت لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لعجز فعسى الله أن يرزقنا
ماء ببعض البلاد ارتحلوا فارتحلوا حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون تقدم عبد المطلب إلى راحلته
فركبها فلما أنبعثت به انفجرت من تخت خفها عين ماء عذب فكبر عبد المطلب وكبر أصحابه ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا
حتى ملئوا أسقيتهم ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلم إلى الماء فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا:
قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب والله لا نخاصمك في زمزم أبدا .
إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم فأرجع إلى سقايتك راشدا,فرجع ورجعوا معه ولم يصلوا إلى الكاهنة وخلوا
بينه وبينهم.
قال ابن إسحاق: فهذا الذي بلغني من حديث علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-في زمزم .
وفي رواية للبيهقي بسياق غير السياق الذي تقدم ذكره وقال فيه: فحفر حتى أنيط الماء فخرقها في القرار ثم تبحرها حتى لا تنزف
ثم بنى عليها حوضا فطفق هو وابنه بنتزعان فيملأن ذلك الحوض فيشرب منه الحاج فيكسره أناس حدة من قريش بالليل فيصلحه عبد المطلب
حين يصبح,فلما أكثروا إفساده دعا عبد المطلب ربه فأرى في المنام فقيل له: قل: اللهم إني لا أحلها لمغتسل ولكن هي لشارب
حل وبل,ثم كفيتهم,فقام عبد المطلب حين أختلفت قريش في المسجد فنادى بالذي أرى ثم أصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه أحد
من قريش إلا رمي في جسده بداء حتى تركوا حوضه وسقايته .
قال الأستاذ أبو سعد رحمه الله: الأصل في رؤيا الميت و الله أعلم، أنك إذا رأيت ميتا في منامك يعمل شيئا حسنا، فإنه يحثك على فعل ذلك، وإذا رأيته يعمل عملا سيئا، فإنه ينهاك عن فعله ويدلك على تركه. ومن رأى كأنه نبش عن قبر ميت، فإنه يبحث عن سيرة ذلك الميت في حال حياته دينا ودنيا، ليسير بمثل سيرته. فإن رأى الميت حيا في قبره، نال برا وحكمة ومالا حلالا. وإن وجد ميتا في قبره فلا يصفو ذلك المال. قال بعضهم: من رأى كأنه أتى المقابر، فنبش عنها، فوجدهم أحياء أو أمواتا، فإنه يدل على وقوع موت ذريع في تلك الناحية أو البلدة، و الله أعلم.
ومن هذا الباب مسائل كثيرة، تجيء في الباب التاسع والثلاثين، والثامن والثلاثين، فمن أحبها فليطلبها هنالك.
وأما الدم الفاسد: فإنه يدل على المرض في جميع الناس عاماً. فإن كان الدم قليلاً كالنفثة، دل على أهل البيت والقرابة، وعلى نيل الشر ثم يتخلص منه. وقيل أنّ قيء الدم توبة من إثم أو مال حرام، ويؤدي أمانة في عنقه.
وأما البول: فهو في التأويل مال حرام، فمن رأى كأنّه بال في موضع مجهول تزوج في ذلك الموضع امرأة، ويلقي فيها نطفته بمصاهرة أهل الموضع أو جاره، وقيل رأى كأنّه يبول، فإنّه ينفق نفقة تعود إليه، لقوله تعالى: " وَمَا أنْفَقْتم مِنْ شَيءٍ فهوَ يخلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقين " . فإن رأى كأنّه بال في بئر فإنّه ينفق من كسب مال حلال. فإن رأى كأنّه بال على سلعة، فإنّه نجس على تلك السلعة فإن بال في محراب، فإنّه يولد له ولد عالم.
والسيف مع غيره من السلاح سلطان والقتال بالسيف منازعة لقوم. والضرب بالسيف بسط اللسان، واليدين إذا كانت فيها سلاطة تشبه بالسيف. والسيف على الانفراد بغير شيء من السلاح، فإنّه ولد غلام. فإن رأى سيفاً في يده قد رفعه فوق رأسه مخترطاً وهو لا ينوي أن يضرب به، نال سلطاناً مشهوراً له فيه صيت. وقال ابن سيرين الأقرب من السيف إن كان ينبغي له السلطان فالسلطان، وإلا فهو ولد ذكر.
أما الرمح: فهو مع السلاح سلطان ينفذ فيه أمره. والرمح على الانفراد ولد أو أخ. والطعن بالرمح هو العيب والوقيعة، ولذلك قيل للعباب طعان وهماز، وقيل أنّ الرمح شهادة حق. وقيل هو سفر. وقيل هو امرِأة. ومن رأى في يده رمحاً وهو يولد له غلام، فإن كان فيه سنان فإنّه ولد يكون قيماً على الناس. ومن رأى بيده رمحاً وهو راكب، فهو سلطان في عز ورفعة. وانكساره في يد الراكب وهن في سلطانه. وانكسار الرمح المنسوب إلى الولد أو الأخ غلة في الولد والأخ. فإن كان الكسر مما يرجى إصلاحه، فهو يبرأ. وإن كان الكسر مما لا يجبر، فهو موت أحد هؤلاء. وكسر الرمح للوالي عزله. وضياع السنان موت الولد أو الأخ. والمرزاق يدل على ما يدل عليه الرمح.
وحكي أنّ رجلاً أتى ابن سيرين فقال: رأيت كأنّ بيدي رمحاً وأنا ماشٍ بين يدي الأمير. فقال: إن صدقت رؤياك لتشهدن بين يدي الأمير شهادة حق.
وحكي أنّ أبا مخلد رأى في المنام كأنّه أعطي رمحاً ردينياً، فولد غلاماً فسماه رد يني.
ورأى رجل كأنّ حربة وقعت من السماء فجرحته في رجله الواحدة، فلدغته حية في تلك الرجل.
والطعن بالرمح كلام يتكلم به الطاعن في المطعون.
ومن رأى أحداً من التابعين اعطاه شيئاً أو كلمة أو خالطه فإنه حصول خير على كل حال ما لم يكن في الرؤيا ما ينكر في اليقظة فيؤول بحسب ذلك وقيل رؤيا التابعين تدل على اتباع معروف وسلوك طريق الخير.
القلادة فإنها تؤول على أوجه فمن رأى أن في عنقه قلادة فإنه يتولى ولاية أو يتقلد أمانة على قدر القلادة في حسنها وطولها وإذا كانت مرصعة بأنواع الجواهر تكون الولاية أعظم.
ومن رأى أن عليه قلادة ثقيلة وهو يضعف عن حملها فإنه يلي ولاية ويضعف عن العمل والقيام فيها.
وقيل رؤيا القلادة من حيث الجملة تقليد أمر أو أمانة وتؤول رؤية قلادة المرأة على زوجها فمهما رأت في ذلك من زين أو شين فإنه يؤول فيه والقلادة الفضة منهم من قال انها دون ذلك لأنها من التقليد وهو دون الذهب في الثمن ومنهم من قال إنها أحسن لما تقدم من تفضيلها على الذهب وقيل رؤيا القلادة الفضة تؤول بجارية حسناء وإذا كانت من نوع من أنواع المعادن فإنها تؤول بالخصومة وإذا كانت من الجوهر أو الحجارة المثمنة فإنها تؤول بحصول علم كلام الله تعالى وكلما كانت جيدة كان العلم أبلغ وأحسن.
وقيل يحتاج المعبر أن يسأل ممن يرأى رؤيا فنسيها لما استيقظ من منامه كيف وجد حاله فإن وجد يده على أصابعه فيكون قد رأى أشجارا صغارا وإن وجدها على ظهره فيكون قد رأى بادية وإن وجدها على جنبه فيكون قد رأى شخصا مضطجعا وإن وجدها على أضلاعه فيكون قد رأى نسوة وإن وجدها على استه فيكون قد رأى مزبلة وإن وجدها على رأسه فيكون قد رأى عمودا ضخما أو شجرة كبيرة وإن وجدها على فخذه فيكون قد رأى شجرة
طويلة وإن وجدها على ركبته فيكون قد رأى نهرا وإن وجدها على أصابع رجله فيكون قد رأى غابة صغيرة.
رؤيا الله جل شأنه
قال الأستاذ أبو سعد رضي الله عنه: من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله تعالى، و الله تعالى ينظر إليه، فإن كان الرائي من الصالحين، فرؤياه رؤيا رحمة، وإن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر، لقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ النَاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ). فإن رأى كأنه يناجيه، أكرم بالقرب، وحبب إلى الناس قال الله تعالى: (وقَرّبْناهْ نَجيّاً). وكذلك لو رأى أنّه ساجد بين يدي الله تعالى، لقوله تعالى: " واسْجُدْ واقْتَرِبْ " . فإن رأى أنّه يكلمه من وراء حجاب، حسن دينه وأدى أمانة إن كانت في يده، وقوي سلطانه. وإن رأى أنّه يكلمه من غير حجاب، فإنّه يكون خطأ في دينه، لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لبَشَرِ أن يُكَلِّمَهُ الله إلا وَحْياً أوْ مِنْ وراءِ حِجَاب)، فإن رآه بقلبه عظيماً، كأنه سبحانه قرَّبه وأكرمه وغفر له، أو حاسبه أو بشره ولمً يعاين صفة، لقي الله تعالى في القيامة.
كذلك فإن رآه تعالى قد وعده المغفرة والرحمة، كان الوعد صحيحاً لا شك فيه، لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد، ولكنه يصيبه بلاء في نفسه، ومعيشته مادام حياً. فإن رآه تعالى كأنه يعظه، انتهِى عما لا يرضاه الله تعالى، لقوله تعالى: " يَعِظُكُمْ لعَلّكُمْ تَذَكّرونَ " . فإن كساه ثوباَ، فهو هم وسقم ما عاش، ولكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير.
فقد حكي أنّ بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين، فلبسهما مكانه، فسأل ابن سيرين، فقال استعد لبلائه، فلم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى، فإن رأى نوراً تحير فيه فلم يقدر على وصفه، لم ينتفع بيديه ما عاش. فإن رأى أنّ الله تعالى سماه باسمه أو اسم آخر. علا أمره وغلب أعداءه، فإن أعطاه شيئاً من متاع الدنيا فهو بل يستحق به رحمته. فإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه، فإن رأى كأنّ أبويه ساخطان عليه، دل ذلك على سخط الله عليه. لقوله عز اسمه " اشْكُرْ لي ولِوالِدَيْكَ " . وقد روي في بعض الأخبار، رضا الله تعالى رضا الوالدين، وسخط الله تعالى في سخط الوالدين.
وقيل: من رأى كأن الله تعالى غضب عليه، فإنّه يسقط من مكان رفيع. لقول الله تعالى: (ومن يَحلِلْ عَلَيْهِ غَضبيَ فَقَدْ هَوَى). ولو رأى كأنه سقط من حائط أو سماء أو جبل، دل ذلك على غضب الله تعالى عليه. فإن رأى نفسه بين يدي الله عزّ وجلّ، في موضع يعرفه، انبسط العدل والخصب في تلك البقعة، وهلك ظالموها ونصر مظلوموها. فإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك وتعالى، نال نعمة ورحمة. فإن رأى مثالاً أو صورة، فقيل له إنّه إلهك أو ظن أنّه إلهه سبحانه، فعبده وسجد له، فإنّه منهمك في الباطل، على تقدير أنّه حق، وهذه رؤيا من يكذب على الله تعالى. فإن رأى كأنّه يسب الله تعالى، فإنّه كافر لنعمة ربه عزّ وجلّ غير راضٍ بقضائه.
وأما الظهر: فظهر الرجل وسنده وقيمته وملتجؤه الذي يستظهر به، وموضع قوته. فإن رأى أنّ ظهره منحن، أصابته نائبة، وقيل هو دليل الشيب. ورؤية ظهر الصديق، إعراضه وهجرانه. ورؤية ظهر العدو، الأمن من شره. ورؤية ظهر العجوز، إدباره الدنيا وزوالها. ورؤية ظهر الشابة، تأخير نيل المراد قليلاً. ورؤية ظهر المرأة النصف، دليل على طلب أمر قد تعسر عنه، وتولى عنه ذلك الأمر.
والبصاق: فهو مال الرجل وقدرته. فمن رأى أنّه يبصق، فإنّه يقذف إنساناً. فإن كان مع البصاق دم، فهوكسب من حرام. فإن بصق على حائط فإنّه ينفق ماله في جهاد، أو يشغل ماله في تجارة. فإن بصق على الأرض، اشترى ضيعة أو أرضاً.فإن بصق على شجرة، نكث عهداً أوحنث في يمين. فإن بصق على إنسان، فإنه يقذفه.
والبصاق الحار، دليل طول العمر. وأما البارد فدليل الموت.
خبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن العباس الأخميمي بمصر قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن سلامة الطحاوي، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن جناد. وإبراهيم بن أبي داود، وأبو أمية قالوا: حدثنا سليمان بن حرب، واللفظ لابن جناد، قال: حدثنا حماد بن زيد عن الحجاج الصواف، وأبي الزبير عن جابر، أن الطفيل بن عمرو أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصنه ومنعه حصين، كان لدوس في الجاهلية فأفتى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكر الله تعالى للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاحتوى المدينة، فمرض فخرج فأخذ مشاقص، وقطع بها براجمه، وشخبت يداه حتى مات. فرآه الطفيل بن عمرو في هيئة حسنة فقال: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى المدينة إلى نبيه صلوات الله عليه وسلامه، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ فقال: قيل لي أنّه لا تصلح منك ما أفسدت. فقال قصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر.
أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ويحيى عن محمد بن إبراهيم العدوي، عن أبي عمرو عبد الرحمنِ بن أبي وصافة، عن أبي القاسم البزار، قال: قال علي بن الموفق: حججت نيفاً وخمسين حجة، وجعلت ثوابها للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، ولأبوي، وبقيت حجة واحدة. قال: فنظرت إلى أهل الموقف بعرفات وضجيج أصواتهم، فقلت اللهم إن كان في هؤلاء واحد لم يتقبل حجة فقد وهبت له هذه الحجة، ليكون ثوابها له. قال فبت تلك الليلة بالمزدلفة فرأيت ربي تبارك وتعالى في المنام، فقال: يا علي بن الموفق عليّ تسخى؟ قد غفرت لأهل الموقف ومثلهم معهم وأضعاف ذلك، وشفعت كل رجل منهم في أهل بيته وخاصته وجيرانه، وأنا أهل التقوى وأهل المغفرة.
ومن رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه يحصل له الفرج بعد الغم ويقضى دينه، وإن كان محبوساً أو مقيداً فإنه يخلصه من حبسه وقيده ويأمن من خوفه، وإن كان في ضيق وقحط توافرت النعمة والخير عليه، وأما إذا كان غنياً فإنه يزداد غنى وقال أبو هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رآني في المنام فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي وقيل رؤيته عليه السلام تدل على سعادة العقبى، وقيل ان كان مغلوباً ينتصر على أعدائه وإن كان مريضاً شفاه الله تعالى.
وأما الكيس فإنه يؤول بالمرأة وغيرها وقيل من رأى شيئا في الكيس من الدراهم والدنانير أو ما أشبهها فإنه يدل على النعمة والخير بقدر ما رأى والكيس الفارغ ضده وربما دل الكيس الفارغ على قرب أجله لأن الكيس في التأويل جسد الرجل.
ومن المرائي الواقعة رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أن الوجع الذي أصابه كان بسبب السحر فعن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم
قالت: حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعاء ثم دعا ثم قال: (ياعائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد
أحدهما عند رأسي والأخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجل للذي عند رأسي: ماوجع الرجل؟
قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم قال: في أي شئ؟ قال: في مشط ومشاطة قال: وجب طلعة ذكر قال: فأين هو
قال: في بئر ذي أروان قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه ثم قال: (يا عائشة والله لكأن ماءها
نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين) .
قالت: فقلت: يارسول الله أفلا أحرقته؟ قال: (لا أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شرا فأمرت بها فدفنت).
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر يرى أنه
يأتي ولا يأتي فأتاه ملكان فجلس أحدهما عند رأسه والأخر عند رجليه فقال أحدهما: ماباله؟ قال: مطبوب قال: من طبه؟
قال: لبيد بن الأعصم قال: فيم؟ قال: في مشط ومشاطة في جف طلعة ذكر في بئر ذروان تحت رعوفة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم
من نومه فقال: (أي عائشة ألم ترين أن الله أفتاني فيما أستفتيته) فأتي البئر فأمر به فأخرج فقال: (هذه البئر التي أريتها
والله كأن ماءها نقاعة الحناء وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين)
فقالت عائشة: لو أنك كأنما تعني أن ينتشر قال: (أما والله قد عافاني الله وأنا أكره أن أثير على الناس منه شرا
ومن رأى داود فإنه يحصل له ضرر وضيق صدر من جهة العيال، وقيل من رأى داود يكون خليفة في أهله وربما ينال خير أو حكماً وملكاً، وربما يبتلى بسبب امرأة، وربما كان عنده شيء مدخر فأثر فيه السوس فليفقده.
ومن رأى أنه في السماء، فإنه يأمر وينهي. وقيل أن السماء الدنيا وزارة، لأنها موضع القمر، والقمر وزير، والسماء الثانية أدب وعلم وفطنة ورياسة وكفاية، لأن السماء الثانية لعطارد. ومن رأى أنه في السماء الثالثة، فإنه ينال نعمة وسروراً وجواري وحلياً وحللاً فرشاً، ويستغني ويتنعم، لأن سيرة السماء الثالثة للزهرة. ومن رأى أنه في السماء الرابعة، نال ملكاً وسلطنة وهيبة، أو دخل في عمل ملك أو سلطان، لأن سيرة السماء الرابعة للشمس. فإن رأى أنه في الخامسة، فإنه ينال ولاية الشرط أو قتالاً أو حرباً أو صنعة مما ينسب إلى المريخ، لأن سيرة السماء الخامسة للمريخ، فإن رأى أنه في السماء السادسة، فإنه ينال خيراً من البيع والشراء، لأن سيرة السماء السادسة للمشتري، فإن رأى أنه في السماء السابعة، فإنه ينال عقاراً وأرضاً ووكالة وفلاحة وزراعة ودهقنة في جيش طويل، لأن سيرة السماء السابعة لزحل، فإن لم يكن صاحب الرؤيا لهذه المراتب أهلاً، فإن تأويلها لرئيسه أو لعقبه أو لنظيره أو لسميه
وأما العلم فهو على نوعين نوع للملوك ويسمى صنجقا وشفقة ونوع للفقراء وهو ممنوع وفي الجملة يؤول برجل عالم أو زاهد أو إمام أو شجاع أو غني أو سخي أو جواد يقتدي الناس به.
أما معنى الأحلام المشابهة لرؤية رؤيا احد يهديك نقود في المنام فيؤول إلى التالي