النهار
دخول النهار على الإنسان فرج من الهموم والأحزان. ويدل على تجديد الملابس والأزواج والأولاد، وعلى ظهور الحجة والكشف عن المعّمى وخلاص المسجونين وقدوم الغائب.
وأول النهار يدل على أول الأمر الذي يطلبه صاحب الرؤيا، ونصف النهار يدل على وسط الأمر، وآخر النهار يدل على آخر الأمر. ومن رأى أنه ضاع له شيء فوجده عند انفجار الصبح، فإنه يثبت على غريمه ما ينكره بشهادة الشهود، لقوله تعالى: " إن قُرانَ الفَجْرِ كانَ مَشْهوداً " . ومن رأى أن الدهر كله نهار لا ليل فيه، والشمس لا تغرب بل تدور حول السماء، دل ذلك على أن السلطان يفعل برأيه ولا يستشير وزيراً فيما يريده من الأمور.
فمن رأى الصبح قد أصبح، فإن كان مريضاً انصرم مرضه بموت أو عافية. فإن صلى عند ذلك الصبح بالناس، أو ركب إلى سفر، أو خرج إلى الحج، أو مضى إلى الجنة، كان ذلك موته، وحسنِ ما يقدم عليه من الخير، وضياء القبر. وإن استقى ماء طعاماً أو اشترى شعراً، فإن الصبح فرجه مما كان فيه من العلة، وإن رأى ذلك مسجون خرج من السجن، وإن رأى ذلك معقول عن السفر في بر أو بحر، ذهبت عقلته وجاءه سراحه، وإن رأى ذلك من نشزت عليه زوجته فارقها وفارقته، لأن النهار يفرق بين الزوجين والمتآلفين، وإن رأى ذلك مذنب غافل بطال، أو كافر ذو هوى تاب عن حاله واستيقظ من غفلاته وظلماته. وإن رأى ذلك محروم أو تاجر قد كسدت تجارته وتعطل سوقه، تحركت أسواقهما وقويت أرزاقهما. وإن رأى ذلك من له عدو كافر يطلبه، أو خصم ظالم يخصمه، ظفر بعدوه واستظهر بالحق عليه، وإن رأى ذلك للعامة وكانوا في حصار وشدة أو جور أو جدب أو فتنة، خرجوا من جميع ذلك ونجوا منه وكذلك دخول الليل على النهار يعبر في ضد النهار على أقدار الناس، وما في اليقظة. ومن رأى كأن الدهر كله ليل لا نهار فيه، عم أهل تلك الناحية فقر وجوع وموت. وإن رأى أن الدهر كله ليل، والقمر والكواكب تدور حول السماء، عم أهل ذلك المكان ظلم وزير أو كاتب.
هذا السؤال جيّد لكثرة السائلين عنه، وكثرة الوهم والخطأ الناتج عن قلّة العلم فيه، فكثيراً ما تسمع من هنا أو هناك صِيْغَةً تتكرر، رأيت بعد صلاة الفجر، وكأن هذه الجملة يريد منها قائلها أن تَرْفع درجة رُؤْياه، كما يرتفع الحديث الحسن لغيره إلى حسنٍ لذاته، ويرتفع الصحيحُ لغيره إلى صحيح لذاته،
والحقيقة أنَّ هذا غير صحيح، فرؤيا النهار أو رؤيا الأسحار لا تختلف عن غيرها، وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رأى رؤىً في النهار، ورأى رؤىً في الليل وأخبر بها الصحابة وأخبرهم بتأويلها،
وكثيراً ما صُدّر الحديث عنه صلى الله عليه وسلم
بقوله: (( بينما أنا نائم البارحة. . . أو أريت الليلة كذا. . . ))
وهذا يفهم منه الليل، وكثيراً ما نام في بيته أو في بيت أحد الصحابة نهاراً، ثم رأى رؤيا،
كرؤياه حين نام في بيت عبادة بن الصامت عند أم حرام بنت ملحان،
حين رآها مع مَن يغزون في سبيل الله وقالت: ادع الله أن يجعلني منهم،
فقال: ((أنت من الأولين)) وقد كان وقت نومه نهاراً،
وقد عنون له البخاري في صحيحة: باب مَن زار قوماً فقال عندهم. أي من القائلة وهو النوم في الظهيرة
( المعجم المحيط_ص771 )
قال ابن عون عن ابن سيرين: رؤيا النهار مثل رؤيا الليل.
وقد عنون ابن حجر في الفتح: باب : رؤيا الليل، وذكر بعده مباشرةً باب: رؤيا النهار،
فلا فرق إذاً من ناحية الوقت ليلاُ أو نهاراً ولا اعتبار له،
وقيل: إنَّ بينهما تفاوت وأنَّ رؤيا الأسحار أصدق وأسرع تأويلاً، ولا سيما عند طلوع الفجر وجاء في المسند من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (( أصدق الرؤيا بالأسحار))،
وهذا يحمل على سرعة التأويل والوقوع لا على الصحة، والله أعلم.
ومما ينقل هنا أن بعض السائقين للسيارات وفي شدة تعبهم قد يحصل لهم استرخاء عند بعض إشارات المرور وفي هذه المدة الزمنية القصيرة قد يرون الرؤيا الصادقة